فصل: فَصْلٌ: (حقوق العقد)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح منتهى الإرادات ***


فَصْلٌ‏:‏ فِي الْحَجْرِ لِحَظِّ نَفْسِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ

وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا‏}‏ وَأَضَافَ الْأَمْوَالَ إلَى الْأَوْلِيَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ مُدَبِّرُوهَا ‏(‏وَمَنْ دَفَعَ مَالِهِ بِعَقْدٍ‏)‏ كَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ ‏(‏أَوْ لَا‏)‏ أَيْ بِغَيْرِ عَقْدٍ كَوَدِيعَةٍ وَعَارِيَّةٍ ‏(‏إلَى مَحْجُورٍ عَلَيْهِ لِحَظِّ نَفْسِهِ‏)‏ بِاخْتِيَارِهِ، وَهُوَ الصَّغِيرُ وَالْمَجْنُونُ وَالسَّفِيهُ ‏(‏رَجَعَ‏)‏ الدَّافِعُ ‏(‏فِي بَاقٍ‏)‏ مِنْ مَالِهِ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ‏.‏

‏(‏وَمَا تَلِفَ‏)‏ مِنْهُ بِنَفْسِهِ كَمَوْتِ قِنٍّ أَوْ حَيَوَانٍ، أَوْ بِفِعْلِ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ كَقَتْلِهِ لَهُ فَهُوَ ‏(‏عَلَى مَالِكِهِ‏)‏ غَيْرَ مَضْمُونٍ؛ لِأَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَيْهِ بِرِضَاهُ ‏(‏عَلِمَ‏)‏ الدَّافِعُ ‏(‏بِحَجْرِ‏)‏ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ ‏(‏أَوْ لَا‏)‏ لِتَفْرِيطِهِ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِمْ فِي مَظِنَّةِ الشُّهْرَةِ ‏(‏وَيَضْمَنُ‏)‏ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِحَظِّ نَفْسِهِ ‏(‏جِنَايَةً‏)‏ عَلَى نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ وَنَحْوِهِ عَلَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي الْجِنَايَاتِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَضْمَنُ ‏(‏إتْلَافَ مَا لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِ‏)‏ مِنْ الْمَالِ لِاسْتِوَاءِ الْمُكَلَّفِ وَغَيْرِهِ فِيهِ ‏(‏وَمِنْ إعْطَاءِ‏)‏ أَيْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِحَظِّ نَفْسِهِ ‏(‏مَالًا‏)‏ بِلَا إذْنِ وَلِيِّهِ فِي دَفْعِهِ ‏(‏ضَمِنَهُ آخِذُهُ‏)‏ لِتَعَدِّيهِ بِقَبْضِهِ مِمَّنْ لَا يَصِحُّ مِنْهُ دَفْعٌ ‏(‏حَتَّى يَأْخُذَهُ‏)‏ مِنْهُ ‏(‏وَلِيُّهُ‏)‏ أَيْ وَلِيُّ الدَّافِعِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِقَبْضِ مَالِ الدَّافِعِ وَحِفْظِهِ و‏(‏لَا‏)‏ يَضْمَنُ مَنْ أَخَذَ مِنْ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ لِحَظِّهِ مَالًا ‏(‏إنْ أَخَذَهُ لِيَحْفَظَهُ‏)‏ عَنْ الضَّيَاعِ ‏(‏كَأَخْذِهِ مَغْصُوبًا‏)‏ مِنْ غَاصِبِهِ أَوْ غَيْرِهِ ‏(‏لِيَحْفَظَهُ لِرَبِّهِ وَلَمْ يُفَرِّطْ‏)‏ فَلَا يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ بِالْإِعَانَةِ عَلَى رَدِّ الْحَقِّ لِمُسْتَحِقِّيهِ فَإِنْ فَرَّطَ ضَمِنَ ‏(‏وَمَنْ بَلَغَ‏)‏ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَخُنْثَى ‏(‏رَشِيدًا‏)‏ انْفَكَّ الْحَجْرُ عَنْهُ ‏(‏أَوْ‏)‏ بَلَغَ ‏(‏مَجْنُونًا ثُمَّ عَقَلَ وَرَشَدَ انْفَكَّ الْحَجْرُ عَنْهُ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ‏}‏ - الْآيَةَ؛ وَلِأَنَّ الْحَجْرَ إنَّمَا كَانَ لِعَجْزِهِ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ حِفْظًا لَهُ وَقَدْ زَالَ فَيَزُولُ الْحَجْرُ لِزَوَالِ عِلَّتِهِ ‏(‏بِلَا حُكْمٍ‏)‏ بِفَكِّهِ، وَسَوَاءٌ رَشَّدَهُ الْوَلِيُّ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِمَا لَا يَحْتَاجُ إلَى حُكْمٍ فَيَزُولُ بِدُونِهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏{‏فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ‏}‏ وَاشْتِرَاطُ الْحُكْمِ زِيَادَةٌ تَمْنَعُ الدَّفْعَ عِنْدَ وُجُودِ ذَلِكَ وَهُوَ خِلَافُ النَّصِّ ‏(‏وَأُعْطِيَ‏)‏ مَنْ انْفَكَّ الْحَجْرُ عَنْهُ ‏(‏مَالَهُ‏)‏ لِلْآيَةِ وَيُسْتَحَبُّ بِإِذْنِ قَاضٍ وَإِشْهَادٍ بِرُشْدٍ وَدَفْعٍ لِيَأْمَنَ التَّبَعَةَ و‏(‏لَا‏)‏ يُعْطَى مَالَهُ ‏(‏قَبْلَ ذَلِكَ بِحَالٍ‏)‏ وَلَوْ صَارَ شَيْخًا لِظَاهِرِ الْآيَةِ ‏(‏وَبُلُوغِ ذَكَرٍ وَإِمْنَاءٍ‏)‏ بِاحْتِلَامٍ أَوْ غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمْ الْحُلُمَ‏}‏ ‏(‏أَوْ تَمَامِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً‏)‏ لِحَدِيثِ ‏{‏ابْنِ عُمَرَ عُرِضْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْنِي، وَعُرِضْتُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏.‏

وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ ‏(‏فَلَمْ يُجِزْنِي وَلَمْ يَرَنِي بَلَغْتُ‏)‏ ‏"‏ ‏(‏أَوْ نَبَاتِ شَعْرٍ خَشِنٍ‏)‏ أَيْ يَسْتَحِقُّ أَخْذَهُ بِالْمُوسَى لَا زَغْبٍ ضَعِيفٍ ‏(‏حَوْلَ قُبُلِهِ‏)‏ ‏{‏؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمَّا حَكَّمَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ حَكَمَ بِأَنْ يُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ وَحَكَمَ بِأَنْ يَكْشِفَ عَنْ مُؤْتَزَرَاتِهِمْ فَمَنْ أَنْبَتَ فَهُوَ مِنْ الْمُقَاتِلَةِ وَمَنْ لَمْ يَنْبُتْ أَلْحَقُوهُ بِالذُّرِّيَّةِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ‏:‏ لَقَدْ حَكَمَ بِحُكْمِ اللَّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعَةِ أَرْقِعَةٍ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ‏(‏وَ‏)‏ بُلُوغِ ‏(‏أُنْثَى بِذَلِكَ‏)‏ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ بُلُوغُ الذَّكَرِ ‏(‏وَ‏)‏ تَزِيدُ عَلَيْهِ ‏(‏بِحَيْضٍ‏)‏ لِحَدِيثِ ‏{‏لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ‏}‏ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ‏(‏وَحَمْلُهَا دَلِيلُ إنْزَالِهَا‏)‏ لِإِجْرَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الْعَادَةَ بِخَلْقِ الْوَلَدِ مِنْ مَائِهِمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى؛ ‏{‏فَلْيَنْظُرْ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ‏}‏ ‏(‏وَقَدْرُهُ‏)‏ أَيْ قَدْرُ زَمَنٍ يُحْكَمُ فِيهِ بِبُلُوغِهَا إذَا وَلَدَتْ ‏(‏أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ‏)‏ أَيْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَيُحْكَمُ بِبُلُوغِهَا مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ الْيَقِينُ ‏(‏وَإِنْ طَلُقَتْ زَمَنَ إمْكَانِ بُلُوغٍ‏)‏ أَيْ بَعْدَ تِسْعِ سِنِينَ ‏(‏وَوَلَدَتْ لِأَرْبَعِ سِنِينَ أُلْحِقَ الْوَلَدُ بِمُطَلِّقٍ وَحُكِمَ بِبُلُوغِهَا مِنْ قَبْلِ الطَّلَاقِ‏)‏ احْتِيَاطًا لِلنَّسَبِ ‏(‏وَ‏)‏ بُلُوغِ خُنْثَى ‏(‏بِسِنٍّ‏)‏ أَيْ تَمَامِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً ‏(‏أَوْ نَبَاتٍ حَوْلَ قُبُلَيْهِ‏)‏ فَإِنْ وُجِدَ حَوْلَ أَحَدِهِمَا فَلَا، قَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ ‏(‏أَوْ إمْنَاءٍ مِنْ أَحَدِ فَرْجَيْهِ أَوْ حَيْضٍ مِنْ قُبُلٍ أَوْ هُمَا‏)‏ أَيْ الْمَنِيُّ وَالْحَيْضُ ‏(‏مِنْ مَخْرَجٍ‏)‏ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا فَقَدْ أَمْنَى وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَقَدْ أَمْنَتْ وَحَاضَتْ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَحْصُلُ بِهِ الْبُلُوغُ، وَلَا بُلُوغَ بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ كَغِلَظِ صَوْتٍ وَفَرْقِ أَنْفٍ وَنُهُودِ ثَدْيٍ وَشَعْرِ إبِطٍ ‏(‏وَالرُّشْدُ إصْلَاحُ الْمَالِ‏)‏ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا‏}‏ أَيْ إصْلَاحًا فِي أَمْوَالِهِمْ؛ وَلِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ، وَمَنْ كَانَ مُصْلِحًا لِمَالِهِ فَقَدْ وُجِدَ مِنْهُ شَرْطُهُ، وَالْعَدَالَةُ لَا تُعْتَبَرُ فِي الرُّشْدِ دَوَامًا فَلَا تُعْتَبَرُ فِي الِابْتِدَاءِ كَالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا، وَقَوْلُهُمْ‏:‏ إنَّ الْفَاسِقَ غَيْرُ رَشِيدٍ يُنْتَقَضُ بِالْكَافِرِ فَإِنَّهُ غَيْرُ رَشِيدٍ فِي دَيْنِهِ وَلَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِهِ ‏(‏وَلَا يُعْطَى‏)‏ مَنْ بَلَغَ رَشِيدًا ظَاهِرًا ‏(‏مَالَهُ حَتَّى يُخْتَبَرَ، وَمَحِلُّهُ‏)‏ أَيْ الِاخْتِبَارِ ‏(‏قَبْلَ بُلُوغٍ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ‏}‏ - الْآيَةَ وَالدَّلِيلُ مِنْهَا مِنْ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا‏:‏ قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ الْيَتَامَى ‏"‏ وَإِنَّمَا يَكُونُونَ يَتَامَى قَبْلَ الْبُلُوغِ، الثَّانِي‏:‏ أَنَّ مُدَّةَ اخْتِبَارِهِمْ إلَى الْبُلُوغِ بِلَفْظِ ‏"‏ حَتَّى ‏"‏ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الِاخْتِبَارَ قَبْلَهُ، وَتَأْخِيرُ الِاخْتِبَارِ إلَى الْبُلُوغِ يُؤَدِّي إلَى الْحَجْرِ عَلَى الْبَالِغِ الرَّشِيدِ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ يَمْتَدُّ إلَى أَنْ يُخْتَبَرَ وَيُعْلَمَ رُشْدُهُ، وَلَا يَخْتَبِرُ إلَّا مَنْ يَعْرِفُ الْمَصْلَحَةَ مِنْ الْمَفْسَدَةِ، وَتَصَرُّفُهُ حَالَ الِاخْتِبَارِ صَحِيحٌ ‏(‏بِ‏)‏ تَصَرُّفٍ ‏(‏لَائِقٍ بِهِ‏)‏ مُتَعَلِّقٌ ب يُخْتَبَرُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ حَتَّى ‏(‏يُؤْنَسُ رُشْدُهُ‏)‏ أَيْ يُعْلَمَ، وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ ‏(‏فَوَلَدُ تَاجِرٍ‏)‏ يُؤْنَسُ رُشْدُهُ ‏(‏بِأَنْ يَتَكَرَّرَ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ فَلَا يُغْبَنُ غَالِبًا غَبْنًا فَاحِشًا وَ‏)‏ يُؤْنَسُ رُشْدُ ‏(‏وَلَدِ رَئِيسٍ وَكَاتِبٍ بِاسْتِيفَاءٍ عَلَى وَكِيلِهِ‏)‏ فِيمَا وَكَّلَهُ فِيهِ ‏(‏وَ‏)‏ يُؤْنَسُ رُشْدُ ‏(‏أُنْثَى بِاشْتِرَاءِ قُطْنٍ وَاسْتِجَادَتِهِ وَدَفْعِهِ وَ‏)‏ دَفْعِ ‏(‏أُجْرَتِهِ لِلْغَزَّالَاتِ وَاسْتِيفَاءٍ عَلَيْهِنَّ‏)‏ أَيْ الْغَزَّالَاتِ ‏(‏وَ‏)‏ يُعْتَبَرُ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ إينَاسِ رُشْدِهِ ‏(‏أَنْ يَحْفَظَ كُلَّ مَا فِي يَدِهِ عَنْ صَرْفِهِ فِيمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ‏)‏ كَحَرْقِ نِفْطٍ يَشْتَرِيهِ لِلتَّفَرُّجِ عَلَيْهِ وَنَحْوِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ صَرْفِهِ فِي ‏(‏حَرَامٍ كَقِمَارٍ وَغِنَاءٍ وَشِرَاءِ‏)‏ شَيْءٍ ‏(‏مُحَرَّمٍ‏)‏ كَآلَةِ لَهْوٍ وَخَمْرٍ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ يَعُدُّ مَنْ صَرَفَ مَالَهُ فِي ذَلِكَ سَفِيهًا مُبَذِّرًا وَقَدْ يُعَدُّ الشَّخْصُ سَفِيهًا بِصَرْفِهِ مَالَهُ فِي الْمُبَاحِ فَفِي الْحَرَامِ أَوْلَى، بِخِلَافِ صَرْفِهِ فِي بَابِ بِرٍّ كَصَدَقَةٍ أَوْ فِي مَطْعَمٍ وَمَشْرَبٍ وَمَلْبَسٍ وَمَنْكَحٍ لَا يَلِيقُ بِهِ، فَلَيْسَ بِتَبْذِيرٍ، إذْ لَا إسْرَافَ فِي الْخَيْرِ ‏(‏وَمَنْ نُوزِعَ فِي رُشْدِهِ فَشَهِدَ بِهِ عَدْلَانِ ثَبَتَ‏)‏ رُشْدُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُعْلَمُ بِالِاسْتِفَاضَةِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَشْهَدْ بِهِ عَدْلَانِ ‏(‏فَادَّعَى‏)‏ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ ‏(‏عِلْمَ وَلِيُّهُ‏)‏ رُشْدَهُ ‏(‏حَلَفَ‏)‏ وَلِيُّهُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ رُشْدَهُ لِاحْتِمَالِ صِدْقِ مُدَّعٍ وَظَاهِرُ مَا يَأْتِي فِي بَابِ الْيَمِينِ فِي الدَّعَاوَى‏:‏ إنْ لَمْ يَحْلِفْ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِرُشْدِهِ لِنُكُولِهِ ‏(‏وَمَنْ تَبَرَّعَ فِي‏)‏ حَالِ ‏(‏حَجْرِهِ‏)‏ أَوْ بَاعَ وَنَحْوَهُ ‏(‏فَثَبَتَ كَوْنُهُ‏)‏ أَيْ الْمُتَبَرِّعِ وَنَحْوِهِ ‏(‏مُكَلَّفًا رَشِيدًا نَفَذَ‏)‏ تَصَرُّفُهُ لِتَبَيُّنِ أَهْلِيَّتِهِ لَهُ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏ولاية المملوك لسيده‏]‏

‏(‏وَوِلَايَةُ مَمْلُوكٍ لِسَيِّدِهِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ مَالُهُ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ سَيِّدُهُ ‏(‏غَيْرَ عَدْلٍ‏)‏؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْإِنْسَانِ فِي مَالِهِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عَدَالَتِهِ ‏(‏وَ‏)‏ وِلَايَةُ ‏(‏صَغِيرٍ‏)‏ عَاقِلٍ أَوْ مَجْنُونٍ ‏(‏وَبَالِغٍ مَجْنُونٍ‏)‏ وَمَنْ بَلَغَ سَفِيهًا وَاسْتَمَرَّ ‏(‏لِأَبٍ بَالِغٍ‏)‏ لِكَمَالِ شَفَقَتِهِ، فَإِنْ أُلْحِقَ الْوَلَدُ بِابْنِ عَشْرٍ فَأَكْثَرَ وَلَمْ يَثْبُتْ بُلُوغُهُ فَلَا وِلَايَةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْفَكَّ عَنْهُ الْحَجْرُ فَلَا يَكُونُ وَلِيًّا ‏(‏رَشِيدٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ ‏(‏ثُمَّ‏)‏ الْوِلَايَةُ بَعْدَ أَبٍ ‏(‏لِوَصِيِّهِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْأَبِ، أَشْبَهَ وَكِيلَهُ فِي الْحَيَاةِ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ وَصِيُّهُ ‏(‏بِجُعْلٍ وَثَمَّ مُتَبَرِّعٌ‏)‏ بِالنَّظَرِ لَهُ ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ الْأَبُ أَوْ وَصِيُّهُ ‏(‏كَافِرًا عَلَى كَافِرٍ‏)‏ إنْ كَانَ عَدْلًا فِي دَيْنِهِ وَلَا وِلَايَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ ‏(‏ثُمَّ‏)‏ بَعْدَ الْأَبِ وَوَصِيِّهِ فَالْوِلَايَةُ ل ‏(‏حَاكِمٍ‏)‏ لِانْقِطَاعِ الْوِلَايَةِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ فَتَكُونُ لِلْحَاكِمِ كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ‏.‏

‏(‏وَتَكْفِي الْعَدَالَةُ‏)‏ فِي الْوَلِيِّ ‏(‏ظَاهِرًا‏)‏ فَلَا يَحْتَاجُ حَاكِمٌ إلَى تَعْدِيلِ أَبٍ أَوْ وَصِيِّهِ وَلِلْمُكَاتَبِ وِلَايَةُ وَلَدِهِ التَّابِعِ لَهُ دُونَ الْحُرِّ ‏(‏فَإِنْ عُدِمَ‏)‏ حَاكِمٌ أَهْلٌ ‏(‏فَأَمِينٌ يَقُومُ مَقَامَهُ‏)‏ أَيْ الْحَاكِمِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْجَدِّ وَالْأُمِّ وَبَاقِي الْعَصَبَاتِ، وَحَاكِمٌ عَاجِزٌ كَالْعَدَمِ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، نَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ فِيمَنْ عِنْدَهُ مَالٌ تُطَالِبهُ الْوَرَثَةُ فَيَخَافُ مِنْ أَمْرِهِ تَرَى أَنْ يُخْبِرَ الْحَاكِمَ وَيَدْفَعَهُ إلَيْهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَمَّا حُكَّامُنَا الْيَوْمَ هَؤُلَاءِ فَلَا أَرَى أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ وَلَا يَدْفَعَ إلَيْهِ شَيْئًا ‏(‏وَحَرُمَ تَصَرُّفُ وَلِيِّ صَغِيرٍ‏)‏ وَوَلِيِّ ‏(‏مَجْنُونٍ‏)‏ وَسَفِيهٍ ‏(‏إلَّا بِمَا فِيهِ حَظٌّ‏)‏ لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إلَّا بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ‏}‏ وَالسَّفِيهُ وَالْمَجْنُونُ فِي مَعْنَاهُ وَإِذَا تَبَرَّعَ‏)‏ الْوَلِيُّ بِصَدَقَةٍ أَوْ هِبَةٍ ‏(‏أَوْ حَابَى‏)‏ بِأَنْ بَاعَ مِنْ مَالِ مَوْلِيِّهِ بِأَنْقَصَ مِنْ ثَمَنِهِ أَوْ اشْتَرَى لَهُ بِأَزْيَدَ ‏(‏أَوْ زَادَ‏)‏ فِي الْإِنْفَاقِ ‏(‏عَلَى نَفَقَتِهِمَا‏)‏ أَيْ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ بِالْمَعْرُوفِ ‏(‏أَوْ‏)‏ زَادَ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى ‏(‏مَنْ تَلْزَمُهُمَا مُؤْنَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ ضَمِنَ‏)‏ مَا تَبَرَّعَ بِهِ وَمَا حَابَى بِهِ وَالزَّائِدَ فِي النَّفَقَةِ لِتَفْرِيطِهِ‏.‏

وَلِلْوَلِيِّ تَعْجِيلُ نَفَقَةِ مَوْلَاهُ مُدَّةً جَرَتْ بِهَا عَادَةُ أَهْلِ بَلَدِهِ إنْ لَمْ يُفْسِدْهَا ‏(‏وَتُدْفَعُ‏)‏ النَّفَقَةُ ‏(‏إنْ أَفْسَدَهَا يَوْمًا بِيَوْمٍ فَإِنْ أَفْسَدَهَا‏)‏ أَيْ النَّفَقَةَ مُوَلًّى عَلَيْهِ بِإِتْلَافٍ أَوْ دَفْعٍ لِغَيْرِهِ ‏(‏أَطْعَمَهُ‏)‏ الْوَلِيُّ ‏(‏مُعَايَنَةً‏)‏ وَإِلَّا كَانَ مُفَرِّطًا ‏(‏وَإِنْ أَفْسَدَ كِسْوَتَهُ سَتَرَ عَوْرَتَهُ فَقَطْ فِي بَيْتٍ إنْ لَمْ يُمْكِنْ تَحَيُّلٌ‏)‏ عَلَى إبْقَائِهَا عَلَيْهِ، و‏(‏لَوْ‏)‏ كَانَ التَّحَيُّلُ ‏(‏بِتَهْدِيدٍ‏)‏ فَإِذَا أَرَاهُ النَّاسَ أَلْبَسَهُ فَإِنْ عَادَ نَزَعَهُ عَنْهُ، وَيُقَيَّدُ الْمَجْنُونُ إنْ خِيفَ عَلَيْهِ نَصًّا ‏(‏وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَبِيعَ‏)‏ وَلِيٌّ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ مِنْ مَالِهِمَا لِنَفْسِهِ ‏(‏أَوْ يَشْتَرِيَ‏)‏ مِنْ مَالِهِمَا لِنَفْسِهِ ‏(‏أَوْ يَرْتَهِنَ مِنْ مَالِهِمَا لِنَفْسِهِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ التُّهْمَةِ ‏(‏غَيْرَ أَبٍ‏)‏ فَلَهُ ذَلِكَ، وَيَلِي طَرَفَيْ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ يَلِي بِنَفْسِهِ وَالتُّهْمَةُ مُنْتَفِيَةٌ بَيْنَ الْوَالِدِ وَوَلَدِهِ، إذْ مِنْ طَبْعِهِ الشَّفَقَةُ عَلَيْهِ وَالْمَيْلُ إلَيْهِ وَتَرْكُ حَظِّ نَفْسِهِ لِحَظِّهِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ ‏(‏وَلَهُ‏)‏ أَيْ الْأَبِ مُكَاتَبَةُ قِنِّهِمَا ‏(‏وَلِغَيْرِهِ‏)‏ أَيْ الْأَبِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ وَهُوَ الْوَصِيُّ وَالْحَاكِمُ ‏(‏مُكَاتَبَةُ قِنِّهِمَا‏)‏ أَيْ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَحْصِيلًا لِمَصْلَحَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَقَيَّدَهَا بَعْضُ الْأَصْحَابِ بِمَا إذَا كَانَ فِيهَا حَظٌّ ‏(‏وَ‏)‏ لِأَبٍ وَغَيْرِهِ ‏(‏عِتْقُهُ‏)‏ أَيْ قِنِّهِمَا ‏(‏عَلَى مَالِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ فِيهَا حَظٌّ أَشْبَهَ الْبَيْعَ، وَلَيْسَ لَهُ الْعِتْقُ مَجَّانًا ‏(‏وَ‏)‏ لِأَبٍ وَغَيْرِهِ ‏(‏تَزْوِيجُهُ‏)‏ أَيْ قِنِّهِمَا ‏(‏لِمَصْلَحَةٍ‏)‏ وَلَوْ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ لِإِعْفَافِهِ عَنْ الزِّنَا، وَإِيجَابُ نَفَقَةِ الْأَمَةِ عَلَى زَوْجِهَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لِأَبٍ وَغَيْرِهِ ‏(‏إذْنُهُ‏)‏ أَيْ رَقِيقِ مَحْجُورِهِ ‏(‏فِي تِجَارَةٍ‏)‏ بِمَالِهِ كَاتِّجَارِ وَلِيِّهِ فِيهِ بِنَفْسِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لِأَبٍ وَغَيْرِهِ ‏(‏سَفَرٌ بِمَالِهِمَا‏)‏ لِلتِّجَارَةِ أَوْ غَيْرِهَا ‏(‏مَعَ أَمْنِ‏)‏ بَلَدٍ وَطَرِيقٍ، لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِهِ فِي مَالِ نَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ الْبَلَدُ أَوْ طَرِيقُهُ غَيْرَ آمِنٍ لَمْ يَجُزْ ‏(‏وَ‏)‏ لِأَبٍ وَغَيْرِهِ ‏(‏مُضَارَبَتُهُ بِهِ‏)‏ أَيْ الِاتِّجَارُ بِمَالِهِمَا بِنَفْسِهِ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا ‏{‏مَنْ وَلِيَ يَتِيمًا لَهُ مَالٌ فَلْيَتَّجِرْ بِهِ وَلَا يَتْرُكْهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ الصَّدَقَةُ‏}‏‏.‏

وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى عُمَرَ وَهُوَ أَصَحُّ، وَلِأَنَّهُ أَحَظُّ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ ‏(‏وَلِمَحْجُورٍ رِبْحُهُ كُلُّهُ‏)‏؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مَالِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّهُ غَيْرُهُ إلَّا بِعَقْدٍ وَلَا يَعْقِدُهَا الْوَلِيُّ لِنَفْسِهِ لِلتُّهْمَةِ ‏(‏وَ‏)‏ لِوَلِيٍّ ‏(‏دَفْعُهُ‏)‏ أَيْ مَالِ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ ‏(‏مُضَارَبَةً بِجُزْءٍ‏)‏ مُشَاعٍ مَعْلُومٍ ‏(‏مِنْ رِبْحِهِ‏)‏؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا ‏"‏ أَبْضَعَتْ مَالَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ‏"‏ وَلِنِيَابَةِ الْوَلِيِّ عَنْ مَحْجُورِهِ فِي كُلِّ مَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ، وَلِلْعَامِلِ مَا شُورِطَ عَلَيْهِ ‏(‏وَ‏)‏ لِوَلِيٍّ ‏(‏بَيْعُهُ‏)‏ أَيْ مَالِ مَوْلَاهُ ‏(‏نَسَاءً‏)‏ أَيْ إلَى أَجَلٍ لِمَصْلَحَةٍ ‏(‏وَ‏)‏ لَهُ ‏(‏قَرْضُهُ وَلَوْ بِلَا رَهْنٍ لِمَصْلَحَةٍ‏)‏ بِأَنْ يَكُونَ ثَمَنُ الْمُؤَجَّلِ أَكْثَرَ مِمَّا يُبَاعُ بِهِ حَالًّا أَوْ يَكُونَ الْقَرْضُ لِمَلِيءٍ يَأْمَنُ جُحُودَهُ خَوْفًا عَلَى الْمَالِ مِنْ نَحْوِ سَفَرٍ ‏(‏وَإِنْ أَمْكَنَهُ‏)‏ أَيْ الْوَلِيَّ أَخْذُ رَهْنٍ أَوْ ضَمِينٍ بِثَمَنٍ أَوْ قَرْضٍ ‏(‏فَالْأَوْلَى أَخْذُهُ‏)‏ احْتِيَاطًا ‏(‏وَإِنْ تَرَكَهُ‏)‏ أَيْ التَّوَثُّقَ وَلِيٌّ مَعَ إمْكَانِهِ ‏(‏فَضَاعَ الْمَالُ لَمْ يَضْمَنْهُ‏)‏ الْوَلِيُّ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ السَّلَامَةُ فَلَا يُقْرِضُهُ لِمَوَدَّةٍ وَمُكَافَأَةٍ نَصًّا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لَهُ ‏(‏هِبَتُهُ بِعِوَضٍ‏)‏؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْبَيْعِ وَفِيهَا مَا فِيهِ ‏(‏وَ‏)‏ لَهُ ‏(‏رَهْنُهُ لِثِقَةٍ لِحَاجَةٍ وَإِيدَاعِهِ‏)‏ وَلَوْ مَعَ إمْكَانِ قَرْضِهِ لِمَصْلَحَةٍ ‏(‏وَ‏)‏ لَهُ ‏(‏شِرَاءُ عَقَارٍ‏)‏ مِنْ مَالِهِمَا لِيَسْتَغِلَّ لَهُمَا مَعَ بَقَاءِ الْأَصْلِ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ الْمُضَارَبَةِ بِهِ ‏(‏وَ‏)‏ لَهُ ‏(‏بِنَاؤُهُ‏)‏ أَيْ الْعَقَارِ لَهُمَا مِنْ مَالِهِمَا؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الشِّرَاءِ إلَّا أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ الشِّرَاءِ وَيَكُونَ أَحَظَّ فَيَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ ‏(‏بِمَا جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِ بَلَدِهِ‏)‏ بِالْبِنَاءِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ الْعُرْفُ فَيَفْعَلُهُ ‏(‏لِمَصْلَحَةٍ‏)‏ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَلَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لَهُ ‏(‏شِرَاءُ أُضْحِيَّةٍ ل‏)‏ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ ‏(‏مُوسِرٍ‏)‏ نَصًّا وَحَمَلَهُ فِي الْمُغْنِي عَلَى يَتِيمٍ يَعْقِلُهَا؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ وَفَرَحٍ فَيَحْصُلُ بِذَلِكَ جَبْرُ قَلْبِهِ وَإِلْحَاقُهُ بِمَنْ لَهُ أَبٌ كَالثِّيَابِ الْحَسَنَةِ مَعَ اسْتِحْبَابِ التَّوْسِعَةِ فِي هَذَا الْيَوْمِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لَهُ ‏(‏مُدَاوَاتُهُ‏)‏ أَيْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ لِمَصْلَحَةٍ وَلَوْ بِلَا إذْنِ حَاكِمٍ نَصًّا، وَلَهُ حَمْلُهُ بِأُجْرَةٍ نَصًّا لِيَشْهَدَ الْجَمَاعَةَ، قَالَهُ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ، وَإِذْنُهُ فِي صَدَقَةٍ بِيَسِيرٍ قَالَهُ فِي الْمَذْهَبِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لَهُ ‏(‏تَرْكُ صَبِيٍّ بِمَكْتَبٍ‏)‏ لِتَعَلُّمِ خَطٍّ وَنَحْوَهُ ‏(‏بِأُجْرَةٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَصَالِحِهِ أَشْبَهَ ثَمَنَ مَأْكُولٍ وَكَذَا تَرْكُهُ بِدُّكَّانٍ لِتَعَلُّمِ صِنَاعَةٍ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لَهُ ‏(‏شِرَاءُ لُعَبٍ غَيْرِ مُصَوَّرَةٍ لِصَغِيرَةٍ‏)‏ تَحْتَ حَجْرِهِ ‏(‏مِنْ مَالِهَا‏)‏ نَصًّا لِلتَّمَرُّنِ، وَلَهُ أَيْضًا تَجْهِيزُهَا إذَا زَوَّجَهَا أَوْ كَانَتْ مُزَوَّجَةً بِمَا يَلِيقُ بِهَا مِنْ لِبَاسٍ وَحُلِيٍّ وَفُرُشٍ عَلَى عَادَتِهِنَّ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ، وَلَهُ أَيْضًا خَلْطُ نَفَقَةِ مُوَلِّيهِ بِمَالِهِ إذَا كَانَ أَرْفَقَ لَهُ وَإِنْ مَاتَ مَنْ يَتَّجِرُ لِنَفْسِهِ وَلِيَتِيمِهِ بِمَالِهِ وَقَدْ اشْتَرَى شَيْئًا وَلَمْ يَعْرِفْ لِمَنْ هُوَ أَقْرَعَ فَمَنْ قُرِعَ حَلَفَ وَأَخَذَ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ‏(‏وَ‏)‏ لِوَلِيِّ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ ‏(‏بَيْعُ عَقَارِهِمَا لِمَصْلَحَةٍ‏)‏ نَصًّا لِكَوْنِهِ فِي مَكَان لَا غَلَّةَ فِيهِ أَوْ فِيهِ غَلَّةٌ يَسِيرَةٌ أَوْ لَهُ جَارُ سُوءٍ، أَوْ لِيُعَمِّرَ بِهِ عَقَارَهُ الْآخَرَ وَنَحْوِهِ ‏(‏وَلَوْ بِلَا ضَرُورَةٍ أَوْ زِيَادَةٍ عَلَى ثَمَنِ مِثْلِهِ‏)‏ أَيْ الْعَقَارِ ‏(‏وَيَجِبُ‏)‏ عَلَى وَلِيِّهِمَا ‏(‏قَبُولُ وَصِيَّةٍ لَهُمَا بِمَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِمَا‏)‏ مِنْ أَقَارِبِهِمَا ‏(‏إنْ لَمْ تَلْزَمْهُمَا‏)‏ نَفَقَتُهُ لِإِعْسَارِهِمَا ‏(‏أَوْ غَيْرِهِ‏)‏ كَوُجُودِ أَقْرَبَ مِنْهُمَا، أَوْ قُدْرَةِ عَتِيقٍ عَلَى تَكَسُّبٍ؛ لِأَنَّ قَبُولَ الْوَصِيَّةِ إذَنْ مَصْلَحَةٌ مَحْضَةٌ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ لَزِمَتْهُمَا نَفَقَتُهُ ‏(‏حَرُمَ‏)‏ قَبُولُ الْوَصِيَّةِ بِهِ لِتَفْوِيتِ مَالِهِمَا بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ ‏(‏وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ‏)‏ أَيْ الْوَلِيُّ ‏(‏تَخْلِيصُ حَقِّهِمَا‏)‏ أَيْ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ ‏(‏إلَّا بِرَفْعِ مَدِينٍ‏)‏ لَهُمَا ‏(‏لِوَالٍ يَظْلِمُهُ رَفَعَهُ‏)‏ الْوَلِيُّ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي جَرَّ الظُّلْمَ إلَى نَفْسِهِ ‏(‏كَمَا لَوْ لَمْ يُمْكِنْ رَدُّ مَغْصُوبٍ‏)‏ إلَى مَالِكِهِ ‏(‏إلَّا بِكُلْفَةٍ عَظِيمَةٍ‏)‏ فَلِرَبِّهِ إلْزَامُ غَاصِبِهِ بِرَدِّهِ لِمَا تَقَدَّمَ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏فك الحجر بسبب التكليف والرشد‏]‏

وَمَنْ فُكَّ حَجْرُهُ لِتَكْلِيفِهِ وَرُشْدِهِ ‏(‏فَسَفِهَ‏)‏ أَيْ صَارَ سَفِيهًا ‏(‏أُعِيدَ‏)‏ حَجْرُهُ لِدَوَرَانِ الْحُكْمِ مَعَ عِلَّتِهِ، وَلَا يَحْجُرُ عَلَيْهِ ‏(‏وَلَا يَنْظُرُ فِي مَالِهِ إلَّا حَاكِمٌ‏)‏ لِاخْتِلَافِ التَّبْذِيرِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْحَجْرِ عَلَيْهِ ثَانِيًا فَيَحْتَاجُ إلَى الِاجْتِهَادِ، أَشْبَهَ الْحَجْرَ لِفَلَسٍ ‏(‏كَمَنْ جُنَّ‏)‏ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَرُشْدِهِ فَلَا يَنْظُرُ فِي مَالِهِ إلَّا حَاكِمٌ وَكَذَا الشَّيْخُ الْكَبِيرُ إذَا اخْتَلَّ عَقْلُهُ حُجِرَ عَلَيْهِ كَالْمَجْنُونِ ‏(‏وَلَا يَنْفَكُّ‏)‏ الْحَجْرُ عَمَّنْ سَفِهَ وَنَحْوَهُ بَعْدَ رُشْدِهِ ‏(‏إلَّا بِحُكْمِهِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِحُكْمِهِ، فَلَا يَنْفَكُّ إلَّا بِهِ كَحَجْرِ الْفَلَسِ ‏(‏وَيَصِحُّ تَزَوُّجُهُ‏)‏ أَيْ السَّفِيهِ الْبَالِغِ ‏(‏بِلَا إذْنِ وَلِيُّهُ لِحَاجَةٍ‏)‏ مُتْعَةٍ أَوْ خِدْمَةٍ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَمْ يُشْرَعْ لِقَصْدِ الْمَالِ وَمَعَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ يَكُونُ مَصْلَحَةً مَحْضَةً بِحَيْثُ يَصِحُّ تَزْوِيجُ وَلِيِّ السَّفِيهِ لَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ إذَنْ، فَصِحَّتُهُ مِنْ السَّفِيهِ إذَنْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ أَوْلَى، و‏(‏لَا‏)‏ يَصِحُّ ‏(‏عِتْقُهُ‏)‏ أَيْ السَّفِيهِ لِرَقِيقِهِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ أَشْبَهَ هِبَتَهُ وَوَقْفَهُ ‏(‏وَ‏)‏ يَصِحُّ ‏(‏تَزْوِيجُهُ‏)‏ أَيْ تَزْوِيجُ وَلِيِّ السَّفِيهِ لَهُ ‏(‏بِلَا إذْنِهِ‏)‏ مَعَ سُكُوتِهِ ‏(‏لِحَاجَةٍ‏)‏ لِمَا تَقَدَّمَ ‏(‏وَ‏)‏ لَهُ ‏(‏إجْبَارُهُ‏)‏ أَيْ السَّفِيهِ عَلَى النِّكَاحِ إنْ امْتَنَعَ مِنْهُ ‏(‏لِمَصْلَحَةٍ‏)‏ كَإِجْبَارِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمَصَالِحِ، و‏(‏كَسَفِيهَةٍ‏)‏ فَلِوَلِيِّهَا إجْبَارُهَا عَلَى النِّكَاحِ لِمَصْلَحَتِهَا ‏(‏وَإِنْ أَذِنَ‏)‏ لِسَفِيهٍ وَلِيُّهُ فِي تَزَوُّجٍ ‏(‏لَمْ يَلْزَمْ تَعَيُّنُ الْمَرْأَةِ‏)‏ فِي الْإِذْنِ أَيْ لَمْ يُشْتَرَطْ ‏(‏وَيَتَقَيَّدُ‏)‏ الْإِذْنُ ‏(‏بِمَهْرِ الْمِثْلِ‏)‏ فَإِنْ تَزَوَّجَ بِزِيَادَةٍ عَلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ وَلَيْسَ أَهْلًا لَهُ ‏(‏وَيَلْزَمُ وَلِيًّا‏)‏ لِسَفِيهٍ ‏(‏زِيَادَةُ زَوْجٍ بِهَا‏)‏ فَيَدْفَعُهَا مِنْ مَالِهِ لِتَعَدِّيهِ، و‏(‏لَا‏)‏ تَلْزَمُهُ ‏(‏زِيَادَةُ إذْنٍ فِيهَا‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْهَا، وَوُجُودُ الْإِذْنِ كَعَدَمِهِ، وَلَا تَلْزَمُ أَيْضًا السَّفِيهَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ فِي الْإِنْصَافِ وَغَيْرِهِ خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحِهِ ‏(‏وَإِنْ عَضَلَهُ‏)‏ أَيْ مَنَعَ الْوَلِيُّ السَّفِيهَ أَنْ يَتَزَوَّجَ ‏(‏اسْتَقَلَّ‏)‏ بِهِ السَّفِيهُ، أَيْ فَيَصِحُّ بِدُونِ إذْنِهِ حَتَّى مَعَ عَضْلِهِ إيَّاهُ ‏(‏فَلَوْ عَلِمَهُ‏)‏ أَيْ السَّفِيهَ وَلِيٌّ ‏(‏يُطَلِّقُ‏)‏ إنْ زَوَّجَهُ ‏(‏اشْتَرَى لَهُ أَمَةً‏)‏ يَتَسَرَّى بِهَا وَعَلِمَ مِنْهُ صِحَّةَ طَلَاقِهِ دُونَ عِتْقِهِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ إتْلَافًا، إذْ الزَّوْجَةُ لَا يَنْفُذُ بَيْعُ زَوْجِهَا وَلَا هِبَتُهُ لَهَا وَلَا تُورَثُ عَنْهُ لَوْ مَاتَ فَلَيْسَتْ بِمَالٍ بِخِلَافِ أَمَتِهِ، وَغُرْمُ الشَّاهِدَيْنِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إذَا رَجَعَا نِصْفُ الْمُسَمَّى إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ تَفْوِيتِ الِاسْتِمْتَاعِ بِإِيقَاعِ الْحَيْلُولَةِ، وَإِنْ لَمْ يُتْلِفَا مَالًا كَرُجُوعِ مَنْ شَهِدَ بِمَا يُوجِبُ الْقَوَدَ وَقَوْلُهُ‏:‏ أَخْطَأْتُ فَالْعَبْدُ يَصِحُّ طَلَاقُهُ فَالسَّفِيهُ أَوْلَى ‏(‏وَيَسْتَقِلُّ‏)‏ سَفِيهٌ ‏(‏بِمَا‏)‏ أَيْ فِعْلٍ ‏(‏لَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ مَقْصُودُهُ‏)‏ كَحَدِّ قَذْفٍ وَعِبَادَةٍ بَدَنِيَّةٍ مِنْ حَجٍّ وَغَيْرِهِ، لَا نَذْرِهِ عِبَادَةً مَالِيَّةً كَصَدَقَةٍ وَلَا تَصِحُّ شَرِكَتُهُ وَلَا حَوَالَتُهُ، وَلَا الْحَوَالَةُ عَلَيْهِ ‏(‏وَإِنْ أَقَرَّ بِحَدٍّ‏)‏ أَيْ بِمَا يُوجِبُهُ مِنْ نَحْوِ زِنًا أَوْ قَذْفٍ أُخِذَ بِهِ فِي الْحَالِ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَقَرَّ ‏(‏بِنَسَبٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ قِصَاصٍ، أُخِذَ بِهِ فِي الْحَالِ‏)‏‏.‏

قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ‏:‏ هُوَ إجْمَاعُ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي نَفْسِهِ، وَالْحَجْرُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ فَيُقْبَلُ عَلَى نَفْسِهِ ‏(‏وَلَا يَجِبُ مَالٌ عَفَى عَلَيْهِ‏)‏ عَنْ قِصَاصٍ أَقَرَّ بِهِ السَّفِيهُ لِاحْتِمَالِ التَّوَاطُؤُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُقِرِّ لَهُ، فَإِنْ فُكَّ حَجْرُهُ أُخِذَ بِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ أَقَرَّ ‏(‏بِمَالٍ‏)‏ كَثَمَنٍ وَقَرْضٍ وَقِيمَةِ مُتْلَفٍ ‏(‏فَبَعْدَ فَكِّهِ‏)‏ أَيْ الْحَجْرِ يُؤْخَذ بِهِ،؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ يَلْزَمُهُ مَا أَقَرَّ بِهِ، كَالرَّاهِنِ يُقِرُّ بِالرَّهْنِ، وَلَا يُقْبَلُ فِي الْحَالِ لِئَلَّا يَزُولَ مَعْنَى الْحَجْرِ، لَكِنْ إنْ عَلِمَ الْوَلِيُّ صِحَّةَ مَا أَقَرَّ بِهِ السَّفِيهُ لَزِمَهُ أَدَاؤُهُ فِي الْحَالِ ‏(‏وَتَصَرُّفُ وَلِيُّهُ‏)‏ أَيْ السَّفِيهِ فِي مَالِهِ ‏(‏كَ‏)‏ تَصَرُّفِ ‏(‏وَلِيِّ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ‏)‏ عَلَى مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لِحَظِّ نَفْسِهِ أَشْبَهَ الصَّغِيرَ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏الأكل من مال المُوَلِّي‏]‏

‏(‏وَلِوَلِيِّ‏)‏ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ ‏(‏وَسَفِيهٍ‏)‏ ‏(‏غَيْرِ حَاكِمٍ وَأَمِينِهِ‏)‏ أَيْ الْحَاكِمِ ‏(‏الْأَكْلُ لِحَاجَةٍ مِنْ مَالِ مُوَلِّيهِ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏{‏وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏ وَلِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ‏{‏أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ‏:‏ إنِّي فَقِيرٌ وَلَيْسَ لِي شَيْءٌ وَلِي يَتِيمٌ فَقَالَ‏:‏ كُلْ مِنْ مَالِ يَتِيمِكَ غَيْرَ مُسْرِفٍ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْحَاكِمُ وَأَمِينُهُ لَا يَأْكُلَانِ شَيْئًا لِاسْتِغْنَائِهِمَا بِمَا لَهُمَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، فَيَأْكُلُ مَنْ يُبَاحُ لَهُ الْأَكْلُ ‏(‏الْأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِهِ أَوْ كِفَايَتِهِ‏)‏‏.‏

فَإِذَا كَانَتْ كِفَايَتُهُ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ وَأُجْرَةُ عَمَلِهِ ثَلَاثَةً أَوْ بِالْعَكْسِ لَمْ يَأْكُلْ إلَّا الثَّلَاثَةَ؛ لِأَنَّهُ يَأْكُلُ بِالْحَاجَةِ وَالْعَمَلِ جَمِيعًا فَلَا يَأْخُذُ إلَّا مَا يُوجَدُ فِيهِ ‏(‏وَلَا يَلْزَمُهُ‏)‏ أَيْ الْوَلِيَّ ‏(‏عِوَضُهُ‏)‏ أَيْ مَا أَكَلَهُ ‏(‏بِيَسَارِهِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ عَنْ عَمَلِهِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ عِوَضُهُ مُطْلَقًا كَالْأَجِيرِ وَالْمُضَارِبِ، وَلِظَاهِرِ الْآيَةِ‏:‏ فَإِنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَذْكُرْ عِوَضًا بِخِلَافِ الْمُضْطَرِّ إلَى طَعَامِ غَيْرِهِ لِاسْتِقْرَارِ عِوَضِهِ فِي ذِمَّتِهِ ‏(‏وَمَعَ عَدَمِهَا‏)‏ أَيْ حَاجَةِ وَلِيِّ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ وَسَفِيهٍ بِأَنْ كَانَ غَنِيًّا يَأْكُلُ مِنْ مَالِهِمْ ‏(‏مَا فَرَضَهُ لَهُ حَاكِمٌ‏)‏ فَإِنْ لَمْ يَفْرِضْ لَهُ شَيْئًا لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ‏}‏ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ لِلْحَاكِمِ فَرْضُهُ لَكِنْ لِمَصْلَحَةٍ ‏(‏وَلِنَاظِرِ وَقْفٍ وَلَوْ لَمْ يَحْتَجْ أَكْلٌ‏)‏ مِنْهُ ‏(‏بِمَعْرُوفٍ‏)‏ إلْحَاقًا لَهُ بِعَامِلِ الزَّكَاةِ فَإِنْ شَرَطَ لَهُ الْوَاقِفُ شَيْئًا فَلَهُ مَا شَرَطَهُ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ‏:‏ لَا يُقْدِمُ بِمَعْلُومِهِ بِلَا شَرْطٍ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ أُجْرَةَ عَمَلِهِ مَعَ فَقْرِهِ كَوَصِيِّ الْيَتِيمِ ‏(‏وَمَنْ فُكَّ حَجْرُهُ‏)‏ لِعَقْلِهِ وَرُشْدِهِ ‏(‏فَادَّعَى عَلَى وَلِيُّهُ تَعَدِّيًا‏)‏ فِي مَالِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ ادَّعَى عَلَى وَلِيُّهُ ‏(‏مُوجِبَ ضَمَانٍ‏)‏ كَتَفْرِيطٍ أَوْ تَبَرُّعٍ ‏(‏وَنَحْوِهِ‏)‏ كَدَعْوَاهُ عَدَمَ مَصْلَحَةٍ فِي بَيْعِ عَقَارٍ وَنَحْوِهِ فَقَوْلُ وَلِيٍّ ‏(‏أَوْ‏)‏ ادَّعَى ‏(‏الْوَلِيُّ وُجُودَ ضَرُورَةٍ أَوْ‏)‏ وُجُودَ ‏(‏غِبْطَةٍ‏)‏ لِبَيْعِ عَقَارٍ فَقَوْلُ وَلِيٍّ ‏(‏أَوْ‏)‏ ادَّعَى الْوَلِيُّ وُجُودَ ‏(‏تَلَفٍ أَوْ‏)‏ ادَّعَى ‏(‏قَدْرَ نَفَقَةٍ‏)‏ وَلَوْ عَلَى عَقَارِ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ ‏(‏أَوْ كِسْوَةٍ‏)‏ لِمَحْجُورِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ أَوْ رَقِيقِهِ وَنَحْوِهِ ‏(‏فَقَوْلُ وَلِيٍّ‏)‏؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ أَشْبَهَ الْمُودَعَ ‏(‏مَا لَمْ يُخَالِفْهُ‏)‏ أَيْ قَوْلَ الْوَلِيِّ ‏(‏عَادَةٌ وَعُرْفٌ‏)‏ فَيُرَدُّ لِلْقَرِينَةِ‏.‏

‏(‏وَيَحْلِفُ‏)‏ وَلِيٌّ حَيْثُ قِيلَ قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ صِدْقِ الْآخَرِ ‏(‏غَيْرَ حَاكِمٍ‏)‏ فَلَا يَحْلِفُ مُطْلَقًا و‏(‏لَا‏)‏ يُقْبَلُ قَوْلُ وَلِيٍّ بِجُعْلٍ ‏(‏فِي دَفْعِ مَالٍ بَعْدَ رُشْدٍ أَوْ‏)‏ بَعْدَ ‏(‏عَقْلٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ الْمَالَ لِمَصْلَحَةٍ، أَشْبَهَ الْمُسْتَعِيرَ ‏(‏إلَّا أَنْ يَكُونَ‏)‏ الْوَلِيُّ ‏(‏مُتَبَرِّعًا‏)‏ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي دَفْعِ الْمَالِ إذَنْ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ الْمَالَ لِمَصْلَحَةِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فَقَطْ أَشْبَهَ الْوَدِيعَ ‏(‏وَلَا‏)‏ يُقْبَلُ قَوْلُ وَلِيٍّ ‏(‏فِي قَدْرِ زَمَنِ إنْفَاقٍ‏)‏ بِأَنَّ قَالَ مَنْ انْفَكَّ حَجْرُهُ‏:‏ أَنْفَقْتُ عَلَيَّ مِنْ سَنَةٍ فَقَالَ الْوَلِيُّ‏:‏ بَلْ مِنْ سَنَتَيْنِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا يَدَّعِيهِ ‏(‏وَلَيْسَ لِزَوْجِ‏)‏ حُرَّةٍ ‏(‏رَشِيدَةٍ حَجْرٌ عَلَيْهَا فِي تَبَرُّعٍ زَائِدٍ عَلَى ثُلُثِ مَالِهَا‏)‏ لِلْآيَةِ وَحَدِيثِ ‏{‏يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ‏}‏ وَكُنَّ يَتَصَدَّقْنَ وَيَقْبَلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُنَّ وَلَمْ يَسْتَفْصِلْ، وَلِأَنَّ مَنْ وَجَبَ دَفْعُ مَالِهِ إلَيْهِ لِرُشْدِهِ جَازَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِلَا إذْنِ أَحَدٍ كَالذَّكَرِ‏.‏

وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا ‏{‏لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ عَطِيَّةٌ مِنْ مَالِهَا إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا إذْ هُوَ مَالِكُ عِصْمَتِهَا‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ شُعَيْبًا لَمْ يُدْرِكْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو وَلَمْ يَثْبُتْ مَا يَدُلُّ عَلَى تَحْدِيدِ الْمَنْعِ بِالثُّلُثِ وَلَا يُقَاسُ عَلَى حُقُوقِ الْوَرَثَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِمَالِ الْمَرِيضِ؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ سَبَبٌ يُفْضِي إلَى وُصُولِ الْمَالِ إلَيْهِمْ بِالْمِيرَاثِ وَالزَّوْجِيَّةُ إنَّمَا تَجْعَلُهُ مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ فَهِيَ أَحَدُ وَصْفَيْ الْعِلَّةِ فَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِمُجَرَّدِهَا كَمَا لَا يَثْبُتُ لَهَا الْحَجْرُ عَلَى زَوْجِهَا ‏(‏وَلَا لِحَاكِمٍ حَجْرٌ عَلَى مُقَتِّرٍ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ‏)‏؛ لِأَنَّ فَائِدَةَ الْحَجْرِ جَمْعُ الْمَالِ وَإِمْسَاكُهُ لَا إنْفَاقُهُ وَقِيلَ بَلَى، وَلَا يُمْنَعُ مِنْ عُقُودِهِ وَلَا يُكَفُّ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ، لَكِنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ جَبْرًا بِالْمَعْرُوفِ مِنْ مَالِهِ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏الإذن للمحجور عليه بالتجارة‏]‏

‏(‏وَلِوَلِيٍّ‏)‏ حُرٍّ ‏(‏مُمَيِّزٍ وَسَيِّدِهِ‏)‏ أَيْ الْقِنِّ الْمُمَيِّزِ ‏(‏أَنْ يَأْذَنَ لَهُ‏)‏ أَيْ لِمُوَلِّيهِ أَوْ قِنِّهِ الْمُمَيِّزِ ‏(‏أَنْ يَتَّجِرَ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَابْتَلُوا الْيَتَامَى‏}‏ وَلِأَنَّهُ عَاقِلٌ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فَصَحَّ تَصَرُّفُهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ وَسَيِّدِهِ كَالْعَبْدِ الْكَبِيرِ وَالسَّفِيهِ‏.‏

‏(‏وَكَذَا‏)‏ يَصِحُّ أَنْ يَأْذَنَ الْوَلِيُّ وَالسَّيِّدُ لِلْمُمَيِّزِ ‏(‏أَنْ يَدَّعِيَ‏)‏ عَلَى خَصْمِهِ أَوْ خَصْمِ وَلِيُّهُ أَوْ سَيِّدِهِ ‏(‏وَ‏)‏ يَأْذَنَ لَهُ أَنْ ‏(‏يُقِيمَ بَيِّنَةً‏)‏ عَلَى الْخَصْمِ ‏(‏وَ‏)‏ أَنْ ‏(‏يُحَلِّفَ‏)‏ الْخَصْمَ إذَا أَنْكَرَ ‏(‏وَنَحْوَهُ‏)‏ كَمُخَالَعَةٍ وَمُقَاسَمَةٍ؛ لِأَنَّهَا تَصَرُّفَاتٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَالِ أَشْبَهَتْ التِّجَارَةَ ‏(‏وَيَتَقَيَّدُ فَكُّ‏)‏ حَجْرٍ عَنْ مَأْذُونٍ لَهُ مِنْ حُرٍّ وَقِنٍّ وَمُمَيِّزٍ ‏(‏بِقَدْرٍ وَنَوْعٍ عُيِّنَا‏)‏ بِأَنْ‏.‏

قَالَ لَهُ وَلِيُّهُ أَوْ سَيِّدُهُ‏:‏ اتَّجِرْ فِي مِائَةِ دِينَارٍ فَمَا دُونَ فَلَا يَتَجَاوَزُهَا أَوْ قَالَ لَهُ‏:‏ اتَّجِرْ فِي الْبُرِّ فَقَطْ فَلَا يَتَعَدَّاهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِالْإِذْنِ مِنْ جِهَةِ آدَمِيٍّ فَوَجَبَ أَنْ يَتَقَيَّدَ بِمَا أُذِنَ فِيهِ ‏(‏كَوَكِيلٍ وَوَصِيٍّ فِي نَوْعٍ‏)‏ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ فَلَيْسَ لَهُ مُجَاوَزَتُهُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ كَمَنْ وُكِّلَ أَوْ وُصِّيَ إلَيْهِ فِي ‏(‏تَزْوِيجٍ‏)‏ بِشَخْصٍ ‏(‏مُعَيَّنٍ‏)‏ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ مِنْ غَيْرِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ كَمَنْ وَكَّلَهُ رَشِيدٌ فِي ‏(‏بَيْعِ عَيْنِ مَالِهِ‏)‏ فَلَيْسَ لِوَكِيلٍ بَيْعُ غَيْرِهَا مِنْ مِلْكِهِ ‏(‏وَ‏)‏ كَ ‏(‏الْعَقْدِ الْأَوَّلِ‏)‏ أَيْ أَنْ مَنْ أُذِنَ لَهُ فِي بَيْعِ عَيْنٍ أَوْ إجَارَتِهَا وَنَحْوِهِ لَمْ يَمْلِكْ إلَّا الْعَقْدَ الْأَوَّلَ فَإِذَا عَادَتْ الْعَيْنُ لِمِلْكِ الْمُوَكِّلِ ثَانِيًا لَمْ يَمْلِكْ الْوَكِيلُ الْعَقْدَ عَلَيْهَا ثَانِيًا بِلَا إذْنٍ مُتَجَدِّدٍ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَمْ يَتَنَاوَلْ ذَلِكَ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ عَادَتْ بِفَسْخٍ وَضَعَّفَهُ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ وَصَوَّبَ أَنَّ لَهُ الْعَقْدَ ثَانِيًا، إنْ عَادَتْ بِفَسْخٍ ‏(‏وَهُوَ‏)‏ أَيْ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ مِنْ حُرٍّ وَقِنٍّ مُمَيِّزٍ ‏(‏فِي بَيْعِ نَسِيئَةٍ وَغَيْرِهِ‏)‏ كَبِعَرَضٍ ‏(‏كَمُضَارِبٍ‏)‏ فَيَصِحُّ لَا كَوَكِيلٍ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ النَّمَاءُ، وَالْعَبْدُ الْمُشْتَرَكُ لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ إلَّا بِإِذْنِ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ يَقَعُ بِمَجْمُوعِ بَدَنِهِ، وَقِيَاسُهُ‏:‏ حُرٌّ عَلَيْهِ وَصِيَّانِ ‏(‏وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُؤَجِّرَ‏)‏ مُمَيِّزٌ أُذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ حُرٌّ أَوْ قِنٌّ ‏(‏نَفْسَهُ وَلَا‏)‏ أَنْ ‏(‏يَتَوَكَّلَ‏)‏ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَقَدَ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا يَمْلِكُ إلَّا بِإِذْنٍ فِيهِ كَتَزْوِيجِهِ وَبَيْعِ نَفْسِهِ وَلِأَنَّهُ يُقْعِدُهُ عَنْ مَقْصُودِ التِّجَارَةِ ‏(‏وَلَوْ لَمْ يُقَيِّدْ‏)‏ وَلِيُّهُ أَوْ سَيِّدُهُ ‏(‏عَلَيْهِ‏)‏ بِلَا إذْنٍ لَهُ فِي التِّجَارَةِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا وَفِي إيجَارِ عَبِيدِهِ وَبَهَائِمِهِ خِلَافٌ قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ‏:‏ الصَّوَابُ‏:‏ الْجَوَازُ إنْ رَآهُ مَصْلَحَةً ‏(‏وَإِنْ وَكَّلَ‏)‏ مَأْذُونٌ لَهُ مِنْ حُرٍّ وَعَبْدٍ مُمَيِّزٍ ‏(‏فَكَوَكِيلٍ‏)‏ فَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيمَا يُعْجِزُهُ أَوْ لَا يَتَوَلَّاهُ مِثْلُهُ دُونَ غَيْرِهِ إلَّا بِإِذْنٍ ‏(‏وَمَتَى عَزَلَ سَيِّدٌ قِنَّهُ‏)‏ بِأَنْ مَنَعَهُ مِنْ التِّجَارَةِ ‏(‏انْعَزَلَ وَكِيلُهُ‏)‏ أَيْ وَكِيلُ الْقِنِّ ‏(‏كَ‏)‏ انْعِزَالِ ‏(‏وَكِيلٍ‏)‏ بِعَزْلِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ كَانْعِزَالِ وَكِيلٍ ‏(‏مُضَارِبٍ‏)‏ بِفَسْخِ رَبِّ الْمَالِ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ لِغَيْرِهِ بِإِذْنِهِ، وَتَوْكِيلُهُ فَرْعُ إذْنِهِ، فَإِذَا بَطَلَ الْإِذْنُ بَطَلَ مَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ ‏(‏لَا كَصَبِيٍّ‏)‏ أَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ أَنْ يَتَّجِرَ بِمَالِهِ وَوَكَّلَ الْأَصْلُ ثُمَّ مَنَعَهُ وَلِيُّهُ مِنْ التِّجَارَةِ فَلَا يَنْعَزِلُ وَكِيلُهُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لَا ‏(‏مُكَاتَبٍ‏)‏ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِهِ فَوَكَّلَ فِيهِ ثُمَّ مَنَعَهُ سَيِّدُهُ فَلَا يَنْعَزِلُ وَكِيلُهُ ‏(‏وَ‏)‏ لَا ‏(‏كَمُرْتَهِنٍ أَذِنَ لِرَاهِنٍ فِي بَيْعِ‏)‏ رَهْنٍ فَوَكَّلَ فِيهَا الرَّاهِنُ ثُمَّ رَجَعَ الْمُرْتَهِنُ عَنْ إذْنِهِ فَلَا يَنْعَزِلُ وَكِيلُ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ مُتَصَرِّفٌ فِي مَالِهِ لِنَفْسِهِ فَلَا يَنْعَزِلُ وَكِيلُهُ بِتَغَيُّرِ الْحَالِ فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ فَلِلْوَكِيلِ التَّصَرُّفُ بِالْإِذْنِ الْأَوَّلِ ‏(‏وَيَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِيَ‏)‏ قِنٌّ مَأْذُونٌ فِي تِجَارَةٍ ‏(‏مَنْ‏)‏ أَيْ قِنًّا ‏(‏يُعْتَقُ عَلَى مَالِكِهِ‏)‏ أَيْ الْمُشْتَرِي ‏(‏لِرَحِمٍ‏)‏ كَأَخِي سَيِّدِهِ ‏(‏أَوْ قَوْلٍ‏)‏ أَيْ تَعْلِيقٍ كَقَوْلِهِ‏:‏ إنْ مَلَكْتُ عَبْدَ زَيْدٍ فَهُوَ حُرٌّ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَيْ وَيَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِيَ الْمَأْذُونُ لَهُ ‏(‏زَوْجًا لَهُ‏)‏ أَيْ لِسَيِّدِهِ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً وَيَنْفَسِخُ بِهِ النِّكَاحُ و‏(‏لَا‏)‏ يَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِيَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ ‏(‏مِنْ مَالِكِهِ‏)‏ شَيْئًا ‏(‏وَلَا أَنْ يَبِيعَهُ‏)‏ مَالِكُهُ كَغَيْرِ الْمَأْذُونِ، وَلَا يُسَافِرُ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ السَّيِّدِ فِي رَقَبَتِهِ وَمَالِهِ أَقْوَى مِنْ الْمُكَاتَبِ، وَلَا يَتَنَاوَلُ الْإِذْنُ فِي التِّجَارَةِ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ ‏(‏وَمَنْ رَآهُ سَيِّدُهُ أَوْ وَلِيُّهُ يَتَّجِرُ فَلَمْ يَنْهَهُ لَمْ يَصِرْ مَأْذُونًا لَهُ‏)‏ كَتَزْوِيجِهِ وَبَيْعِهِ مَالَهُ لِافْتِقَارِ التَّصَرُّفِ إلَى الْإِذْنِ فَلَا يَقُومُ السُّكُوتُ مَقَامَهُ كَتَصَرُّفِ أَحَدِ الْمُتَرَاهِنَيْنِ فِي الرَّهْنِ مَعَ سُكُوتِ الْآخَرِ وَكَتَصَرُّفِ الْأَجْنَبِيِّ ‏(‏وَيَتَعَلَّقُ‏)‏ جَمِيعُ ‏(‏دَيْنِ‏)‏ قِنٍّ ‏(‏مَأْذُونٍ لَهُ‏)‏ إنْ اسْتَدَانَهُ لِتِجَارَةٍ فِيمَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ أَوْ غَيْرِهِ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ غَرَّ النَّاسَ بِإِذْنِهِ لَهُ وَكَذَا مَا اقْتَرَضَهُ وَنَحْوَهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ ‏(‏بِذِمَّةِ سَيِّدِهِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ لِسَيِّدِهِ وَلِهَذَا لَهُ الْحَجْرُ عَلَيْهِ وَإِمْضَاءُ بَيْعِ خِيَارٍ لَهُ وَفَسْخُهُ وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُ وَسَوَاءٌ كَانَ بِيَدِ الْمَأْذُونِ لَهُ مَالٌ أَوْ لَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَتَعَلَّقُ ‏(‏دَيْنُ غَيْرِهِ‏)‏ أَيْ غَيْرِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي تِجَارَةٍ بِأَنْ اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ أَوْ اقْتَرَضَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَتَلِفَ مَا اشْتَرَاهُ أَوْ اقْتَرَضَهُ بِيَدِهِ أَوْ يَدِ سَيِّدِهِ ‏(‏بِرَقَبَتِهِ‏)‏ فَيَفْدِيهِ سَيِّدُهُ بِالْأَقَلِّ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ قِيمَتِهِ أَوْ يَبِيعُهُ وَيُعْطِيهِ أَوْ يُسَلِّمُهُ لِرَبِّ الدَّيْنِ لِفَسَادِ تَصَرُّفِهِ فَأَشْبَهَ أَرْشَ جِنَايَتِهِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ أُعْتِقَ‏)‏ رَقِيقٌ تَعَلَّقَ دَيْنُهُ بِرَقَبَتِهِ ‏(‏لَزِمَ سَيِّدَهُ‏)‏ فَيَفْدِيهِ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ رَقَبَتَهُ عَلَى رَبِّ الْحَقِّ بِإِعْتَاقِهِ ‏(‏وَمَحِلُّهُ‏)‏ أَيْ مَحِلِّ تَعَلُّقِ اسْتِدَانَةِ غَيْرِ مَأْذُونٍ بِرَقَبَتِهِ ‏(‏إنْ تَلِفَ‏)‏ مَا اسْتَدَانَهُ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَتْلَفْ ‏(‏أَخَذَ‏)‏ أَيْ أَخَذَهُ مَالِكُهُ ‏(‏حَيْثُ أَمْكَنَ‏)‏ أَخْذُهُ لَهُ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ‏.‏

‏(‏وَمَتَى اشْتَرَاهُ‏)‏ أَيْ الْعَبْدَ ‏(‏رَبُّ دَيْنٍ تَعَلَّقَ‏)‏ دَيْنُهُ ‏(‏بِرَقَبَتِهِ‏)‏ أَيْ الْعَبْدِ ‏(‏تَحَوَّلَ‏)‏ الدَّيْنُ الْمُتَعَلِّقُ بِرَقَبَتِهِ ‏(‏إلَى ثَمَنِهِ‏)‏ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ كَقِيمَتِهِ لَوْ أَتْلَفَ، فَيُخَيَّرُ بَائِعٌ بَيْنَ فِدَائِهِ وَأَخْذِ الثَّمَنِ وَبَيْنَ إعْطَائِهِ فِي الدَّيْنِ بَعْدَ إحْضَارِهِ إنْ كَانَ دَيْنًا، وَإِنْ وُجِدَتْ شُرُوطُ الْمُقَاصَّةِ تَقَاصَّا أَوْ بِقَدْرِ الْأَقَلِّ وَبَاقِي الثَّمَنِ لِبَائِعٍ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ تَعَلَّقَ الدَّيْنُ ‏(‏بِذِمَّتِهِ‏)‏ أَيْ الْعَبْدِ بِأَنْ أَقَرَّ بِهِ غَيْرُ مَأْذُونٍ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ سَيِّدُهُ ‏(‏فَمَلَكَهُ‏)‏ رَبُّ ذَلِكَ الدَّيْنِ ‏(‏مُطْلَقًا‏)‏ أَيْ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا سَقَطَ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَثْبُتُ لَهُ الدَّيْنُ بِذِمَّةِ عَبْدِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ مَلَكَ رَبُّ دَيْنٍ ‏(‏مَنْ تَعَلَّقَ‏)‏ دَيْنُهُ ‏(‏بِرَقَبَتِهِ بِلَا عِوَضٍ‏)‏ بِأَنْ وَرِثَهُ أَوْ وُهِبَ لَهُ ‏(‏سَقَطَ‏)‏ الدَّيْنُ؛ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لِلرَّقَبَةِ يَتَحَوَّلُ الدَّيْنُ إلَيْهِ ‏(‏وَيَصِحُّ إقْرَارُ مَأْذُونٍ‏)‏ لَهُ ‏(‏وَلَوْ صَغِيرًا‏)‏ مُمَيِّزًا ‏(‏فِي قَدْرِ مَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ‏)‏؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْإِقْرَارِ الصِّحَّةُ، تُرِكَ فِيمَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ لِحَقِّ السَّيِّدِ فَوَجَبَ بَقَاؤُهُ فِيمَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَاهُ ‏(‏وَإِنْ حَجَرَ عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ الْمَأْذُونِ لَهُ سَيِّدُهُ أَيْ مَنَعَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ ‏(‏وَبِيَدِهِ‏)‏ أَيْ الْقِنِّ ‏(‏مَالٌ ثُمَّ أَذِنَ لَهُ‏)‏ فِي التِّجَارَةِ ‏(‏فَأَقَرَّ بِهِ‏)‏ أَيْ بِمَا بِيَدِهِ مِنْ الْمَالِ الْمُعَيَّنِ ‏(‏صَحَّ‏)‏ إقْرَارُهُ لِزَوَالِ الْحَجْرِ الْمَانِعِ مِنْ الْإِقْرَارِ، وَكَذَا حُكْمُ مُمَيِّزٍ حُرٍّ أَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ ‏(‏وَيَبْطُلُ إذْنُ‏)‏ سَيِّدٍ لِرَقِيقِهِ فِي تِجَارَةٍ ‏(‏بِحَجْرٍ عَلَى سَيِّدِهِ وَمَوْتِهِ وَجُنُونِهِ الْمُطْبَقِ‏)‏ بِفَتْحِ الْبَاءِ؛ لِأَنَّهَا تَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْإِذْنِ، فَتَمْنَعُ اسْتِدَامَتَهُ وَكَبَاقِي الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ و‏(‏لَا‏)‏ يَبْطُلُ إذْنُهُ ‏(‏بِإِبَاقٍ‏)‏ مَأْذُونٍ لَهُ نَصًّا ‏(‏وَ‏)‏ لَا ‏(‏أَسْرٍ وَتَدْبِيرٍ وَإِيلَادٍ وَكِتَابَةٍ وَحُرِّيَّةٍ وَحَبْسٍ بِدَيْنٍ وَغَصْبٍ‏)‏ لِمَأْذُونٍ لَهُ لِأَنَّ هَذِهِ لَا تَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْإِذْنِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَلَا تَمْنَعُ اسْتِدَامَتَهُ ‏(‏وَتَصِحُّ مُعَامَلَةُ قِنٍّ لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهُ مَأْذُونًا لَهُ‏)‏؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ صِحَّةُ التَّصَرُّفِ وَلَا يُعَامَلُ صَغِيرٌ لَمْ يُعْلَمْ الْإِذْنُ لَهُ إلَّا فِي مِثْلِ مَا يُعَامَلُ مِثْلُهُ فِيهِ و‏(‏لَا‏)‏ يَصِحُّ ‏(‏تَبَرُّعُ مَأْذُونٍ لَهُ بِدَرَاهِمَ وَكِسْوَةٍ وَنَحْوِهِمَا‏)‏ كَكِتَابٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْ الْإِذْنُ ‏(‏وَلَهُ‏)‏ أَيْ الرَّقِيقِ الْمَأْذُونِ لَهُ ‏(‏هَدِيَّةُ مَأْكُولٍ وَإِعَارَةٌ دَابَّةٍ وَعَمَلُ دَعْوَةٍ وَنَحْوَهُ‏)‏ كَصَدَقَةٍ بِيَسِيرٍ ‏(‏بِلَا إسْرَافٍ‏)‏ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُجِيبُ دَعْوَةَ الْمَمْلُوكِ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى أَبِي أَسِيد ‏"‏ أَنَّهُ تَزَوَّجَ فَحَضَرَ دَعَوْتَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو حُذَيْفَةَ فَأَمَّهُمْ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عَبْدٌ ‏"‏ رَوَاهُ صَالِحٌ فِي مَسَائِلِهِ، وَلِجَرَيَانِ عَادَةِ التُّجَّارِ بِهِ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْإِذْنِ ‏(‏وَلِ‏)‏ رَقِيقٍ ‏(‏غَيْرِ مَأْذُونٍ لَهُ‏)‏ فِي تِجَارَةٍ ‏(‏أَنْ يَتَصَدَّقَ مِنْ قُوتِهِ بِمَا لَا يَضُرُّ بِهِ كَرَغِيفٍ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَفَلْسٍ وَبَيْضَةٍ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِالْمُسَامَحَةِ فِيهِ ‏(‏وَلِزَوْجَةٍ وَكُلُّ مُتَصَرِّفٍ فِي بَيْتٍ‏)‏ كَأَجِيرٍ ‏(‏الصَّدَقَةُ مِنْهُ بِلَا إذْنِ صَاحِبِهِ بِنَحْوِ ذَلِكَ‏)‏ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا مَرْفُوعًا ‏{‏إذَا أَنْفَقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهَا أَجْرُهَا بِمَا أَنْفَقَتْ، وَلِزَوْجِهَا أَجْرُ مَا كَسَبَ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ، لَا يَنْقُصُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَجْرِ بَعْضٍ شَيْئًا‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرْ إذْنًا، وَلِأَنَّ الْعَادَةَ السَّمَاحُ وَطِيبُ النَّفْسِ بِهِ ‏(‏إلَّا أَنْ يَمْنَعَ‏)‏ رَبُّ الْبَيْتِ مِنْهُ ‏(‏أَوْ يَضْطَرِبَ عُرْفٌ‏)‏ بِأَنْ تَكُونَ عَادَةُ الْبَعْضِ الْإِعْطَاءَ، وَعَادَةُ آخَرِينَ الْمَنْعَ ‏(‏أَوْ يَكُونَ‏)‏ رَبُّ الْبَيْتِ ‏(‏بَخِيلًا وَيَشُكُّ فِي رِضَاهُ فِيهِمَا‏)‏ أَيْ فِيمَا إذَا اضْطَرَبَ عُرْفٌ، أَوْ مَا إذَا كَانَ بَخِيلًا ‏(‏فَيَحْرُمُ‏)‏ الْإِعْطَاءُ مِنْ مَالِهِ بِلَا إذْنِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ رِضَاهُ إذَنْ ‏(‏كَزَوْجَةٍ أَطْعَمَتْ بِفَرْضٍ وَلَمْ تَعْلَمْ رِضَاهُ‏)‏ أَيْ الزَّوْجِ بِالصَّدَقَةِ مِنْ مَالِهِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا ‏(‏وَمَنْ وَجَدَ بِمَا اشْتَرَى مِنْ قِنٍّ عَيْبًا فَقَالَ‏)‏ الْقِنُّ الْبَائِعُ ‏(‏أَنَا غَيْرُ مَأْذُونٍ لِي‏)‏ فِي التِّجَارَةِ ‏(‏لَمْ يُقْبَلْ‏)‏ قَوْلُهُ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ ‏(‏وَلَوْ صَدَّقَهُ سَيِّدُهُ‏)‏ فِي عَدَمِ الْإِذْنِ لَهُ لِمَا تَقَدَّمَ، وَلِأَنَّهُ يَدَّعِي فَسَادَ الْعَقْدِ وَالْخَصْمُ يَدَّعِي صِحَّتَهُ‏.‏

بَابُ‏:‏ الْوَكَالَةِ

بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى التَّوْكِيلِ وَهِيَ لُغَةً التَّفْوِيضُ تَقُولُ وَكَّلْتُ أَمْرِي إلَى اللَّهِ، أَيْ فَوَّضْتُهُ إلَيْهِ وَاكْتَفَيْتُ بِهِ وَتُطْلَقُ أَيْضًا بِمَعْنَى الْحِفْظِ وَمِنْهُ ‏{‏حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ‏}‏ أَيْ الْحَفِيظُ وَشَرْعًا ‏(‏اسْتِنَابَةُ جَائِزِ التَّصَرُّفِ‏)‏ فِيمَا وَكَّلَ فِيهِ ‏(‏مِثْلَهُ‏)‏ أَيْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ ‏(‏فِيمَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ‏)‏ مِنْ قَوْلٍ كَعَقْدٍ وَفَسْخٍ أَوْ فِعْلٍ كَقَبْضٍ وَإِقْبَاضٍ وَجَوَازُهَا بِالْإِجْمَاعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏{‏وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا‏}‏ أَيْ الزَّكَاةِ حَيْثُ جُوِّزَ الْعَمَلُ عَلَيْهَا وَهُوَ بِحُكْمِ النِّيَابَةِ عَنْ الْمُسْتَحِقِّينَ وَلِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا إذْ لَا يُمْكِنُ كُلُّ أَحَدٍ فِعْلَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ بِنَفْسِهِ‏.‏

‏(‏وَتَصِحُّ‏)‏ الْوَكَالَةُ مُعَلَّقَةً وَمُنْجَزَةً و‏(‏مُؤَقَّتَةً‏)‏ كَأَنْتَ وَكِيلِي شَهْرًا أَوْ سَنَةً‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ تَصِحُّ ‏(‏مُعَلَّقَةً‏)‏ نَصًّا كَوَصِيَّةٍ وَإِبَاحَةِ أَكْلٍ وَقَضَاءٍ وَإِمَارَةٍ كَقَوْلِهِ‏:‏ إذَا قَدِمَ الْحَاجُّ فَبِعْ هَذَا أَوْ إذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فَافْعَلْ كَذَا وَإِذَا طَلَبَ أَهْلِي مِنْكَ شَيْئًا فَادْفَعْهُ لَهُمْ وَنَحْوِهِ ‏(‏وَ‏)‏ تَصِحُّ وَكَالَةٌ ‏(‏بِكُلِّ قَوْلٍ دَلَّ عَلَى الْإِذْنِ‏)‏ نَصًّا كَبِعْ عَبْدِي فُلَانًا أَوْ أَعْتِقْهُ وَنَحْوِهِ أَوْ فَوَّضْتُ إلَيْكَ أَمْرَهُ أَوْ جَعَلْتُكَ نَائِبًا عَنِّي فِي كَذَا، أَوْ أَقَمْتُك مَقَامِي؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ دَلَّ عَلَى الْإِذْنِ فَصَحَّ كَلَفْظِهَا الصَّرِيحِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ‏:‏ وَدَلَّ كَلَامُ الْقَاضِي عَلَى انْعِقَادِهَا بِفِعْلٍ دَالٍّ كَبَيْعٍ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ فِيمَنْ دَفَعَ ثَوْبَهُ إلَى قَصَّارٍ أَوْ خَيَّاطٍ، وَهُوَ أَظْهَرُ كَالْقَبُولِ ‏(‏وَ‏)‏ يَصِحُّ ‏(‏قَبُولُ‏)‏ الْوَكَالَةِ ‏(‏بِكُلِّ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ دَلَّ عَلَيْهِ‏)‏؛ لِأَنَّ وُكَلَاءَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ سِوَى امْتِثَالِ أَمْرِهِ، وَلِأَنَّهُ إذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ فَجَازَ قَبُولُهُ بِالْفِعْلِ كَأَكْلِ الطَّعَامِ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ الْقَبُولُ ‏(‏مُتَرَاخِيًا‏)‏ عَنْ الْإِذْنِ فَلَوْ بَلَغَهُ أَنَّ زَيْدًا وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ عَبْدِهِ مُنْذُ سَنَةٍ فَقَبِلَ، أَوْ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ صَحَّ؛ لِأَنَّ قَبُولَ وُكَلَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بِفِعْلِهِمْ وَكَانَ مُتَرَاخِيًا، قَالَ فِي شَرْحِهِ وَلِأَنَّ الْإِذْنَ قَائِمٌ مَا لَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ ‏(‏وَكَذَا كُلُّ عَقْدٍ جَائِزٌ‏)‏ كَشَرِكَةٍ وَمُسَاقَاةٍ فَهُوَ كَالْوَكَالَةِ فِيمَا تَقَدَّمَ ‏(‏وَشُرِطَ‏)‏ لِوَكَالَةٍ ‏(‏تَعْيِينُ وَكِيلٍ‏)‏ كَأَنْ يَقُولَ‏:‏ وَكَّلْتُ فُلَانًا فِي كَذَا فَلَا يَصِحُّ وَكَّلْتُ أَحَدَ هَذَيْنِ‏.‏

وَفِي الِانْتِصَارِ لَوْ وَكَّلَ زَيْدًا وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ أَوْ لَمْ يَعْرِفْ مُوَكِّلَهُ لَمْ يَصِحَّ و‏(‏لَا‏)‏ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ التَّصَرُّفِ ‏(‏عِلْمُهُ‏)‏ أَيْ الْوَكِيلِ ‏(‏بِهَا‏)‏ أَيْ الْوَكَالَةِ فَلَوْ بَاعَ عَبْدَ زَيْدٍ عَلَى أَنَّهُ فُضُولِيٌّ وَبَانَ أَنَّ زَيْدًا كَانَ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِهِ قَبْلَ الْبَيْعِ صَحَّ اعْتِبَارًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا بِمَا فِي ظَنِّ الْمُكَلَّفِ ‏(‏وَلَهُ‏)‏ أَيْ الْوَكِيلِ ‏(‏التَّصَرُّفُ‏)‏ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ ‏(‏بِخَبَرِ مَنْ ظَنَّ صِدْقَهُ‏)‏ بِتَوْكِيلِ زَيْدٍ مَثَلًا لَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الصِّدْقُ كَقَبُولِ هَدِيَّةٍ وَإِذْنِ غُلَامٍ فِي دُخُولِهِ ‏(‏وَيَضْمَنُ‏)‏ مَا تَرَتَّبَ عَلَى تَصَرُّفِهِ إنْ أَنْكَرَ زَيْدٌ الْوَكَالَةَ ‏(‏وَلَوْ شَهِدَ بِهَا‏)‏ أَيْ الْوَكَالَةِ ‏(‏اثْنَانِ ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا عَزَلَهُ وَلَمْ يَحْكُمْ بِهَا‏)‏ أَيْ الْوَكَالَةِ حَاكِمٌ قَبْلَ قَوْلِهِ عَزَلَهُ ‏(‏لَمْ تَثْبُتْ‏)‏ الْوَكَالَةُ لِرُجُوعِ شَاهِدِهَا قَبْلَ الْحُكْمِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ حُكِمَ‏)‏ بِالْوَكَالَةِ ثُمَّ قَالَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ‏:‏ عَزَلَهُ ‏(‏أَوْ قَالَهُ غَيْرُهُمَا‏)‏ قَبْلَ الْحُكْمِ أَوْ بَعْدَهُ ‏(‏لَمْ يَقْدَحْ‏)‏ ذَلِكَ فِي الْوَكَالَةِ لِنُفُوذِ الْحُكْمِ بِالشَّهَادَةِ وَلَمْ يَثْبُتْ الْعَزْلُ، وَإِنْ قَالَ‏:‏ عَزَلَهُ ثَبَتَ الْعَزْلُ لِتَمَامِ الشَّهَادَةِ بِهِ كَتَمَامِهَا بِالتَّوْكِيلِ وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّ فُلَانًا الْغَائِبَ وَكَّلَ هَذَا الْحَاضِرَ؛ فَقَالَ‏:‏ الْوَكِيلُ مَا عَلِمْتُ وَأَنَا أَتَصَرَّفُ عَنْهُ تَثْبُتُ الْوَكَالَةُ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنِّي الْآنَ لَمْ أَعْلَمْ، وَقَبُولُ الْوَكَالَةِ يَجُوزُ مُتَرَاخِيًا وَلَا يَضُرُّ جَهْلُهُ بِالتَّوْكِيلِ، وَإِنْ قَالَ مَا أَعْلَمُ صِدْقَ الشَّاهِدَيْنِ لَمْ تَثْبُتْ لِقَدْحِهِ، فِي شَهَادَتِهِمَا وَإِنْ قَالَ‏:‏ مَا عَلِمْتُ فَقَطْ قِيلَ لَهُ فَسِّرْ فَإِنْ فَسَّرَ بِالْأَوَّلِ ثَبَتَتْ وَكَالَتُهُ وَإِنْ فَسَّرَ بِالثَّانِي لَمْ تَثْبُتْ ‏(‏وَإِنْ أَبَى‏)‏ وَكِيلٌ قَبُولَهَا أَيْ الْوَكَالَةِ فَقَالَ لَا أَقْبَلُهَا ‏(‏فَكَعَزْلِهِ نَفْسَهُ‏)‏؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَمْ تَتِمَّ ‏(‏وَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلٌ فِي شَيْءٍ إلَّا مِمَّنْ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ‏)‏ أَيْ الْمُوَكِّلِ ‏(‏فِيهِ‏)‏ أَيْ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ؛ لِأَنَّ النَّائِبَ فَرْعٌ عَنْ الْمُسْتَنِيبِ فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ سَفِيهٍ فِي نَحْوِ عِتْقِ عَبْدِهِ ‏(‏سِوَى أَعْمَى‏)‏ رَشِيدٍ ‏(‏وَنَحْوِهِ‏)‏ كَمَنْ يُرِيدُ شِرَاءَ عَقَارٍ لَمْ يَرَهُ إذَا وَكَّلَ فِيهِ ‏(‏عَالِمًا‏)‏ بِالْبَيْعِ ‏(‏فِيمَا يَحْتَاجُ لِرُؤْيَةٍ‏)‏ كَجَوْهَرٍ وَعَقَارٍ فَيَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ مَنْعَهُمَا التَّصَرُّفَ فِي ذَلِكَ لِعَجْزِهِمَا عَنْ الْعِلْمِ بِالْمَبِيعِ لَا لِمَعْنًى فِيهِمَا يَقْتَضِي مَنْعَ التَّوْكِيلِ‏.‏

‏(‏وَمِثْلُهُ‏)‏ ب أَيْ التَّوْكِيلِ فِيمَا تَقَدَّمَ ‏(‏تَوَكُّلٌ‏)‏ فَلَا يَصِحَّ أَنْ يَتَوَكَّل فِي شَيْءٍ إلَّا مَنْ يَصِحُّ مِنْهُ لِنَفْسِهِ ‏(‏فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُوجِبَ نِكَاحًا‏)‏ عَنْ غَيْرِهِ ‏(‏مَنْ لَا يَصِحُّ مِنْهُ‏)‏ إيجَادٌ ‏(‏لِمَوْلِيَّتِهِ‏)‏ لِنَحْوِ فِسْقٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَوَلَّاهُ أَصَالَةً لَمْ يَجُزْ بِالنِّيَابَةِ كَالْمَرْأَةِ ‏(‏وَلَا‏)‏ يَصِحُّ أَنْ ‏(‏يَقْبَلَهُ‏)‏ أَيْ النِّكَاحَ لِغَيْرِهِ ‏(‏مَنْ لَا يَصِحُّ مِنْهُ‏)‏ قَبُولُهُ ‏(‏لِنَفْسِهِ‏)‏ كَكَافِرٍ يَتَوَكَّلُ فِي قَبُولِ نِكَاحِ مُسْلِمَةٍ لِمُسْلِمٍ ‏(‏سِوَى‏)‏ قَبُولِ ‏(‏نِكَاحِ أُخْتِهِ وَنَحْوِهَا‏)‏ كَعَمَّتِهِ وَخَالَتِهِ وَحَمَاتِهِ ‏(‏لِأَجْنَبِيٍّ‏)‏ تَحِلُّ لَهُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ سِوَى قَبُولِ حُرٍّ وَاجِدٍ الطَّوْلَ نِكَاحَ أَمَةٍ لِمَنْ تُبَاحُ لَهُ الْأَمَةُ مِنْ قِنٍّ أَوْ حُرٍّ عَادِمٍ الطَّوْلَ خَائِفِ الْعَنَتِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ سِوَى تَوَكُّلِ ‏(‏غَنِيٍّ فِي قَبْضِ زَكَاةٍ لِفَقِيرٍ‏)‏ فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ فِي هَذِهِ لِنَفْسِهِ لِلتَّنْزِيهِ لَهُ لَا لِمَعْنًى فِيهِ يَقْتَضِي مَنْعَ التَّوْكِيلِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ سِوَى ‏(‏طَلَاقِ امْرَأَةٍ نَفْسَهَا‏)‏ فَيَصِحُّ لِمَا يَأْتِي فِي الطَّلَاقِ ‏(‏وَغَيْرِهَا بِوَكَالَةِ‏)‏ فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا إذَا مَلَكَتْ طَلَاقَ نَفْسِهَا بِجَعْلِهِ لَهَا مَلَكَتْ طَلَاقَ غَيْرِهَا بِالْوَكَالَةِ ‏(‏وَلَا تَصِحُّ‏)‏ وَكَالَةٌ ‏(‏فِي بَيْعِ مَا سَيَمْلِكُهُ أَوْ‏)‏ فِي ‏(‏طَلَاقِ مَنْ يَتَزَوَّجُهَا‏)‏؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَا يَمْلِكُهُ حِينَ التَّوْكِيلِ وَيَصِحُّ إنْ مَلَكْت فُلَانًا فَقَدْ وَكَّلْتُكَ فِي عِتْقِهِ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ تَعْلِيقِهِ عَلَى مِلْكِهِ، بِخِلَافِ إنْ تَزَوَّجْتُ فُلَانَةَ فَقَدْ وَكَّلْتُكَ فِي طَلَاقِهَا، وَلَا يَتَوَكَّلُ مُكَاتَبٌ بِلَا جُعْلٍ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ كَأَعْيَانِ مَالِهِ فَلَا يَبْذُلُهَا بِلَا عِوَضٍ ‏(‏وَمَنْ قَالَ لِوَكِيلٍ غَائِبٍ‏)‏ فِي طَلَبِهِ ‏(‏أَحْلِفُ أَنَّ لَك مُطَالَبَتِي‏)‏ لَمْ يُسْمَعْ ‏(‏أَوْ‏)‏ قَالَ لَهُ أَحْلِفُ ‏(‏أَنَّهُ‏)‏ أَيْ مُوَكِّلَكَ ‏(‏مَا عَزَلَك لَمْ يُسْمَعْ‏)‏ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى لِلْغَيْرِ ‏(‏إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ‏)‏ الْمَطْلُوبُ ‏(‏عِلْمَهُ‏)‏ أَيْ الْوَكِيلِ ‏(‏بِذَلِكَ‏)‏ أَيْ الْعَزْلِ ‏(‏فَيَحْلِفُ‏)‏ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ فَإِنْ نَكَلَ امْتَنَعَ طَلَبُهُ لَهُ‏.‏

‏(‏وَلَوْ قَالَ‏)‏ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ وَكِيلٌ غَائِبٌ ‏(‏عَنْ‏)‏ دَيْنٍ ‏(‏ثَابِتٍ‏)‏ طَالَبَهُ بِهِ ‏(‏مُوَكِّلُك أَخَذَ حَقَّهُ لَمْ يُقْبَلْ‏)‏ قَوْلٌ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ مُدَّعِي الْوَفَاءِ ‏(‏وَلَا يُؤَخِّرُ‏)‏ أَيْ لَا يَحْكُمُ عَلَى الْوَكِيلِ بِتَأْخِيرِ طَلَبِهِ حَتَّى يَحْضُرَ مُوَكِّلُهُ ‏(‏لِيَحْلِفَ مُوَكِّلٌ‏)‏ أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ لِتَأْخِيرِ حَقٍّ مُتَيَقَّنٍ لِمَشْكُوكٍ فِيهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ ذَكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً غَائِبَةً عَنْ الْبَلَدِ بِالْوَفَاءِ فَلَا يُؤَخَّرُ الْحَقُّ لِحُضُورِهَا‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏ما تصح الوكالة فيه‏]‏

‏(‏وَتَصِحُّ الْوَكَالَةُ فِي كُلِّ حَقِّ آدَمِيٍّ‏)‏ مُتَعَلِّقٌ بِمَالٍ أَوْ مَا يَجْرِي مَجْرَاهُ ‏(‏مِنْ عَقْدٍ‏)‏ كَبَيْعٍ وَهِبَةٍ وَإِجَارَةٍ وَنِكَاحٍ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُكِّلَ فِي الشِّرَاءِ وَالنِّكَاحِ وَأُلْحِقَ بِهِمَا سَائِرُ الْعُقُودِ ‏(‏وَفَسْخٍ‏)‏ لِنَحْوِ بَيْعٍ ‏(‏وَطَلَاقٍ‏)‏؛ لِأَنَّ مَا جَازَ التَّوْكِيلُ فِي عَقْدِهِ جَازَ فِي حَلِّهِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى ‏(‏وَرَجْعِهِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ يُمْلَكُ بِالتَّوْكِيلِ الْأَقْوَى وَهُوَ إنْشَاءُ النِّكَاحِ فَالْأَضْعَفُ وَهُوَ تَلَافِيهِ بِالرَّجْعَةِ أَوْلَى ‏(‏وَتَمَلُّكُ الْمُبَاحِ‏)‏ كَصَيْدٍ وَحَشِيشٍ؛ لِأَنَّهُ تَمَلُّك مَا لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ فَجَازَ التَّوْكِيلُ فِيهِ كَالِاتِّهَابِ ‏(‏وَصُلْحٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَالٍ أَشْبَهَ الْبَيْعَ ‏(‏وَإِقْرَارٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ يَلْزَمُ بِهِ الْمُوَكِّلَ مَالٌ أَشْبَهَ التَّوْكِيلَ فِي الضَّمَانِ، وَصِفَتُهُ أَنْ يَقُولَ‏:‏ وَكَّلْتُكَ فِي الْإِقْرَارِ فَلَوْ قَالَ لَهُ أَقِرَّ عَنِّي لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ وَكَالَةً ذَكَرَهُ الْمَجْدُ‏.‏

وَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِي الْإِقْرَارِ بِمَجْهُولٍ وَيَرْجِعُ فِي تَفْسِيرِهِ إلَى الْمُوَكِّلِ ‏(‏وَلَيْسَ تَوْكِيلُهُ فِيهِ‏)‏ أَيْ الْإِقْرَارِ ‏(‏بِإِقْرَارٍ‏)‏ كَتَوْكِيلِهِ فِي وَصِيَّةٍ أَوْ هِبَةٍ فَلَيْسَ وَصِيَّةً وَلَا هِبَةً‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَصِحُّ أَيْضًا التَّوْكِيلُ فِي ‏(‏عِتْقٍ وَإِبْرَاءِ‏)‏ لِتَعَلُّقِهِمَا بِالْمَالِ ‏(‏وَلَوْ لِأَنْفُسِهِمَا إنْ عَيَّنَا‏)‏ كَأَنْ يَقُولَ سَيِّدٌ لِقِنِّهِ‏:‏ أَعْتِقْ نَفْسَكَ، بِخِلَافِ أَعْتِقْ عَبِيدِي فَلَا يَمْلِكُ عِتْقَ نَفْسِهِ، أَوْ قَالَ رَبُّ دَيْنٍ لِغَرِيمِهِ‏:‏ أَبْرِئْ نَفْسَكَ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ‏:‏ أَبْرِئْ غُرَمَائِي فَلَا يُبْرِئُ نَفْسَهُ وَتَصِحُّ أَيْضًا فِي حَوَالَةٍ وَرَهْنٍ وَكَفَالَةٍ وَتَرِكَةٍ الْوَدِيعَةٍ وَمُضَارَبَةٍ وَمُجَاعَلَةٍ وَمُسَاقَاةٍ وَكِتَابَةٍ وَتَدْبِيرٍ وَإِنْفَاقٍ وَقِسْمَةِ وَقْفٍ وَنَحْوِهَا و‏(‏لَا‏)‏ تَصِحُّ وَكَالَةٌ ‏(‏فِي ظِهَارٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ مُنْكَرٌ وَزُورٌ مُحَرَّمٌ أَشْبَهَ بَقِيَّةَ الْمَعَاصِي ‏(‏وَ‏)‏ لَا فِي ‏(‏لِعَانٍ وَيَمِينٍ وَنَذْرٍ وَإِيلَاءٍ وَقَسَامَةٍ‏)‏ لِتَعَلُّقِهَا بِعَيْنِ الْحَالِفِ وَالنَّاذِرِ فَلَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ كَالْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لَا فِي قَسْمٍ لِزَوْجَاتٍ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالزَّوْجِ وَلَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِ ‏(‏وَ‏)‏ لَا فِي ‏(‏شَهَادَةٍ‏)‏؛ لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الشَّاهِدِ؛ لِأَنَّهَا خَبَرٌ عَمَّا رَآهُ أَوْ سَمِعَهُ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي نَائِبِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لَا فِي ‏(‏الْتِقَاطٍ‏)‏؛ لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ الِائْتِمَانُ ‏(‏وَ‏)‏ لَا فِي ‏(‏اغْتِنَامٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِالْحُضُورِ فَلَا طَلَبَ لِلْغَائِبِ بِهِ ‏(‏وَ‏)‏ لَا فِي دَفْعِ ‏(‏جِزْيَةٍ‏)‏ لِفَوَاتِ الصَّغَارِ وَالْوَاجِبِ عَمَّنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ، وَلَا فِي مَعْصِيَةٍ مِنْ زِنًى وَغَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏{‏وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى‏}‏‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لَا فِي ‏(‏رَضَاعٍ‏)‏ لِاخْتِصَاصِهِ بِالْمُرْضِعَةِ؛ لِأَنَّ لَبَنَهَا يُنْبِتُ لَحْمَ الرَّضِيعِ وَيَنْشُرُ عَظْمَهُ ‏(‏وَتَصِحُّ‏)‏ الْوَكَالَةُ ‏(‏فِي بَيْعِ مَالِهِ‏)‏ أَيْ الْمُوَكِّلِ ‏(‏كُلِّهِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ يَعْرِفُ مَالَهُ فَلَا غَرَرَ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَيْ وَتَصِحُّ فِي بَيْعِ ‏(‏مَا شَاءَ‏)‏ الْوَكِيلُ ‏(‏مِنْهُ‏)‏؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ التَّوْكِيلُ فِي كُلِّهِ فَفِي بَعْضِهِ أَوْلَى‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ تَصِحُّ فِي ‏(‏الْمُطَالَبَةِ بِحُقُوقِهِ‏)‏ كُلِّهَا أَوْ مَا شَاءَ مِنْهَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ فِي ‏(‏الْإِبْرَاءُ مِنْهَا كُلِّهَا أَوْ مَا شَاءَ مِنْهَا‏)‏ لِمَا تَقَدَّمَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ‏:‏ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِي بِعْ مَالِي مَا شِئْتَ‏:‏ لَهُ بَيْعُ كُلِّ مَالِهِ و‏(‏لَا‏)‏ يَصِحُّ التَّوْكِيلُ ‏(‏فِي‏)‏ عَقْدٍ ‏(‏فَاسِدٍ‏)‏؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَا يَمْلِكُهُ وَلَمْ يَأْذَنْ الشَّرْعُ فِيهِ بَلْ حَرَّمَهُ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَيْ وَلَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ ‏(‏فِي كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ‏)‏ ذَكَرَ الْأَزَجِيُّ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ،؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ هِبَةِ مَالِهِ وَطَلَاقِ نِسَائِهِ وَإِعْتَاقِ رَقِيقِهِ فَيَعْظُمُ الْغَرَرُ وَالضَّرَرُ وَلِأَنَّ التَّوْكِيلَ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ فِي تَصَرُّفٍ مَعْلُومٍ‏.‏

‏(‏وَلَا‏)‏ يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ إنْ قَالَ لِوَكِيلِهِ ‏(‏اشْتَرِ مَا شِئْتَ أَوْ عَبْدًا بِمَا شِئْتَ‏)‏ لِكَثْرَةِ مَا يُمْكِنُ شِرَاؤُهُ أَوْ الشِّرَاءُ بِهِ فَيَكْثُرُ الْغَرَرُ ‏(‏حَتَّى يُبَيَّنَ‏)‏ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ لِلْوَكِيلِ ‏(‏نَوْعٌ‏)‏ يَشْتَرِيهِ ‏(‏وَقُدِّرَ ثَمَنٌ‏)‏ يَشْتَرِي بِهِ؛ لِأَنَّ الْغَرَرَ لَا يَنْتَفِي إلَّا بِذِكْرِ الشَّيْئَيْنِ وَاخْتَارَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ أَنَّ ذِكْرَ النَّوْعِ أَوْ الْجِنْسِ وَالثَّمَنِ كَافٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَيَّنَ لَهُ النَّوْعَ فَقَدْ أَذِنَ فِي أَغْلَاهُ ثَمَنًا وَإِنْ بَيَّنَ لَهُ الْجِنْسَ وَالثَّمَنَ فَقَدْ أَذِنَ لَهُ فِي جَمِيع أَنْوَاعِ ذَلِكَ الْجِنْسِ مَعَ تَبْيِينِ الثَّمَنِ فَيَقِلُّ الْغَرَرُ وَيَأْتِي فِي الشَّرِكَةِ‏:‏ مَا اشْتَرَيْتَ مِنْ شَيْء فَهُوَ بَيْنَنَا يَصِحُّ نَصًّا، وَهُوَ تَوْكِيلٌ فِي شِرَاءِ كُلِّ شَيْءٍ ‏(‏وَوَكِيلُهُ‏)‏ أَيْ الزَّوْجُ ‏(‏فِي خُلْعٍ بِمُحَرَّمٍ‏)‏ كَخَمْرٍ ‏(‏كَهُوَ‏)‏ أَيْ الزَّوْجِ فَيَلْغُو إلَّا بِلَفْظِ طَلَاقٍ أَوْ نِيَّتِهِ يَعْنِي فَيَقَعُ طَلَاقًا ‏(‏فَلَوْ خَالَعَ‏)‏ وَكِيلٌ فِي خُلْعٍ بِمُحَرَّمٍ ‏(‏بِمُبَاحٍ صَحَّ‏)‏ الْخُلْعُ ‏(‏بِقِيمَتِهِ‏)‏ أَيْ قِيمَةِ الْمُبَاحِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ‏:‏ فَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى مُبَاحٍ صَحَّ الْخُلْعُ وَفَسَدَ الْعِوَضُ، وَلَهُ قِيمَةُ الْعِوَضِ لَا هُوَ ‏(‏وَتَصِحُّ‏)‏ الْوَكَالَةُ ‏(‏فِي كُلِّ حَقٍّ حَتَّى اللَّهِ تَعَالَى تَدْخُلُهُ نِيَابَةٌ مِنْ إثْبَاتِ حَدٍّ وَاسْتِيفَائِهِ‏)‏ لِحَدِيثِ ‏{‏وَاغْدُ يَا أُنَيْسٌ إلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا فَاعْتَرَفَتْ فَأَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْحَاكِمَ إذَا اُسْتُنِيبَ دَخَلَتْ الْحُدُودُ فِي نِيَابَتِهِ فَالتَّخْصِيصُ بِدُخُولِهَا أَوْلَى وَيَقُومُ الْوَكِيلُ مَقَامَ مُوَكِّلِهِ فِي دَرْئِهَا بِالشُّبُهَاتِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ مِنْ ‏(‏عِبَادَةٍ‏)‏ تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ ‏(‏كَتَفْرِقَةِ صَدَقَةٍ وَ‏)‏ تَفْرِقَةِ ‏(‏نَذْرٍ وَ‏)‏ تَفْرِقَةِ ‏(‏زَكَاةٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏كَانَ يَبْعَثُ عُمَّالَهُ لِقَبْضِ الصَّدَقَاتِ وَتَفْرِيقِهَا‏}‏ وَحَدِيثُ مُعَاذٍ يَشْهَدُ بِهِ‏.‏

‏(‏وَتَصِحُّ‏)‏ وَكَالَةٌ فِي إخْرَاجِ زَكَاةٍ ‏(‏بِقَوْلِهِ‏)‏ أَيْ الْمُوَكِّلِ لِوَكِيلِهِ ‏(‏أَخْرِجْ زَكَاةَ مَالِي مِنْ مَالِكَ‏)‏؛ لِأَنَّهُ اقْتِرَاضٌ مِنْ مَالِ وَكِيلٍ، وَتَوْكِيلٌ لَهُ فِي إخْرَاجِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ تَصِحُّ وَكَالَةٌ فِي تَفْرِقَةِ ‏(‏كَفَّارَةٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُ كَتَفْرِقَةِ الزَّكَاةِ ‏(‏وَتَصِحُّ‏)‏ وَكَالَةٌ فِي ‏(‏فِعْلِ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ‏)‏ فَيَسْتَنِيبُ مَنْ يَفْعَلُهُمَا عَنْهُ مُطْلَقًا فِي النَّقْلِ وَمَعَ الْعَجْزِ فِي الْفَرْضِ عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْحَجِّ ‏(‏وَتَدْخُلُ رَكْعَتَا طَوَافٍ تَبَعًا‏)‏ لِلطَّوَافِ وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةِ و‏(‏لَا‏)‏ تَصِحُّ وَكَالَةٌ فِي عِبَادَةٍ ‏(‏بَدَنِيَّةٍ مَحْضَةٍ‏)‏ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ ‏(‏كَصَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَطَهَارَةٍ مِنْ حَدَثٍ‏)‏ لِتَعَلُّقِهَا بِبَدَنِ مَنْ هِيَ عَلَيْهِ ‏(‏وَنَحْوِهِ‏)‏ أَيْ الْمَذْكُورِ كَاعْتِكَافٍ وَغُسْلِ جُمُعَةٍ وَتَجْدِيدِ وُضُوءٍ؛ لِأَنَّ الثَّوَابَ عَلَيْهِ لِأَمْرٍ يَخُصُّ الْمُعْتَكِفَ وَهُوَ لُبْثُ ذَاتِهِ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ وَتَصِحُّ فِي طَهَارَةِ الْخَبَثِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ التُّرُوكِ كَإِزَالَةِ الْأَوْسَاخِ ‏(‏وَيَصِحُّ اسْتِيفَاءُ‏)‏ مَا وَكُلُّ فِيهِ ‏(‏بِحَضْرَةِ مُوَكِّلٍ وَغِيبَتِهِ‏)‏ نَصًّا لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ ‏(‏حَتَّى فِي‏)‏ اسْتِيفَاءِ ‏(‏قَوَدٍ وَحَدِّ قَذْفٍ‏)‏؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعَفْوِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ عَفَا لَأَعْلَمَ وَكِيلَهُ، وَالْأَوْلَى اسْتِيفَاؤُهُمَا بِحَضْرَةِ مُوَكِّلٍ ‏(‏وَلِوَكِيلٍ تَوْكِيلٌ فِيمَا يُعْجِزُهُ‏)‏ فِعْلُهُ ‏(‏لِكَثْرَتِهِ وَلَوْ فِي جَمِيعِهِ‏)‏ لِدَلَالَةِ الْحَالِ عَلَى الْإِذْنِ فِيهِ، وَحَيْثُ اقْتَضَتْ الْوَكَالَةُ جَوَازَ التَّوْكِيلِ جَازَ فِي جَمِيعِهِ كَمَا لَوْ أَذِنَ فِيهِ لَفْظًا ‏(‏وَفِيمَا لَا يَتَوَلَّى مِثْلُهُ بِنَفْسِهِ‏)‏ كَالْأَعْمَالِ الْبَدَنِيَّةِ فِي حَقِّ أَشْرَافِ النَّاسِ الْمُتَرَفِّعِينَ عَنْهَا عَادَةً؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ إنَّمَا يَنْصَرِفُ لِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، و‏(‏لَا‏)‏ يَصِحُّ أَنْ يُوَكَّلَ وَكِيلٌ ‏(‏فِيمَا يَتَوَلَّى مِثْلُهُ بِنَفْسِهِ‏)‏ وَيَقْدِرُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي التَّوْكِيلِ وَلَا تَضَمَّنَهُ الْإِذْنُ لَهُ فَلَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ نَهَاهُ، وَلِأَنَّهُ اُسْتُؤْمِنَ فِيمَا يُمْكِنُهُ النُّهُوضُ فِيهِ فَلَا يُوَلِّيهِ غَيْرُهُ كَالْوَدِيعَةِ ‏(‏إلَّا بِإِذْنِ‏)‏ مُوَكِّلِهِ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فَيَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ أُذِنَ لَهُ فِيهِ أَشْبَهَ سَائِرَ الْعُقُودِ‏.‏

قَالَ فِي الْفُرُوعِ‏:‏ وَلَعَلَّ ظَاهِرَ مَا سَبَقَ يَسْتَنِيبُ نَائِبًا فِي الْحَجِّ لِمَرَضٍ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ‏(‏وَيَتَعَيَّنُ‏)‏ عَلَى وَكِيلٍ حَيْثُ جَازَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ ‏(‏أَمِينٌ‏)‏ فَلَا يَجُوزُ لَهُ اسْتِنَابَةُ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ يَنْظُرُ لِمُوَكِّلِهِ بِالْأَحَظِّ وَلَا أَحَظَّ لَهُ فِي إقَامَةِ غَيْرِهِ ‏(‏إلَّا مَعَ تَعْيِينِ مُوَكِّلٍ‏)‏ بِأَنْ قَالَ لَهُ‏:‏ وَكِّلْ زَيْدًا مَثَلًا فَلَهُ تَوْكِيلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَمِينًا؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ نَظَرَهُ بِتَعْيِينِهِ لَهُ، وَإِنْ وَكَّلَ أَمِينًا فَخَانَ فَعَلَيْهِ عَزْلُهُ؛ لِأَنَّ إبْقَائَهُ تَفْرِيطٌ وَتَضْيِيعٌ ‏(‏وَكَذَا‏)‏ أَيْ كَالْوَكِيلِ فِيمَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ ‏(‏وَصِيٌّ يُوَكِّلُ أَوْ حَاكِمٌ يَسْتَنِيبُ‏)‏؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُتَصَرِّفٌ لِغَيْرِهِ بِالْإِذْنِ ‏(‏وَ‏)‏ قَوْلُ مُوَكِّلٍ لِوَكِيلِهِ ‏(‏وَكِّلْ عَنْكَ‏)‏ يَصِحُّ فَإِنْ فَعَلَ فَالْوَكِيلُ ‏(‏وَكِيلُ وَكِيلِهِ فَلَهُ عَزْلُهُ‏)‏ يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ وَعَزْلِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ وَكَّلَ ‏(‏عَنِّي أَوْ‏)‏ وَكَّلَ و‏(‏يُطْلِقُ‏)‏ فَلَا يَقُولُ‏:‏ عَنْكَ وَلَا عَنِّي، فَوَكَّلَ ‏(‏فَ‏)‏ هُوَ ‏(‏وَكِيلُ مُوَكِّلِهِ‏)‏ فَلَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ وَلَا عَزْلِهِ، وَلَا يَمْلِكُ الْأَوَّلُ عَزْلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ وَكِيلَهُ وَإِنْ مَاتَ الْمُوَكِّلُ أَوْ جُنَّ وَنَحْوَهُ انْعَزَلَا سَوَاءٌ كَانَ أَحَدُهُمَا فَرْعَ الْآخَرِ أَوْ لَا ‏(‏كَ‏)‏ قَوْلِ مُوصٍ لِوَصِيِّهِ ‏(‏أَوْصِ إلَى مَنْ يَكُونُ وَصِيًّا لِي‏)‏ فَالْمُوصَى إلَيْهِ ثَانِيًا وَصِيٌّ لِلْمُوصِي الْأَوَّلِ ‏(‏وَلَا يُوصِي وَكِيلٌ مُطْلَقًا‏)‏ سَوَاءٌ أُذِنَ لَهُ فِي التَّوْكِيلِ أَوْ لَا لِعَدَمِ تَنَاوُلِ اللَّفْظِ لَهُ ‏(‏وَلَا يَعْقِدُ‏)‏ وَكِيلٌ فِي نَحْوِ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ ‏(‏مَعَ فَقِيرٍ أَوْ قَاطِعِ طَرِيقٍ‏)‏ إلَّا بِإِذْنِ مُوَكِّلٍ لِأَنَّهُ تَغْرِيرٌ بِالْمَالِ قُلْتُ‏:‏ وَفِي مَعْنَاهُ كُلُّ مَنْ يَعْسُرُ عَلَى مُوَكِّلٍ أَخْذُ الْعِوَضِ مِنْهُ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَيْ وَلَا ‏(‏يَنْفَرِدُ‏)‏ وَكِيلٌ ‏(‏مِنْ عَدَدٍ‏)‏ بِأَنْ وَكَّلَ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ وَلَوْ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ وَلَمْ يُعْزَلُ الْأَوَّلُ فِي بَيْعٍ، فَلَا يَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُهُمْ إلَّا بِإِذْنٍ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَمْ يَرْضَ بِتَصَرُّفِهِ وَحْدَهُ بِدَلِيلِ إضَافَةِ غَيْرِهِ إلَيْهِ، فَلَوْ غَابَ أَحَدُهُمْ لَمْ يَتَصَرَّفْ الْآخَرُ، وَلَمْ يَضُمَّ الْحَاكِمُ إلَيْهِ أَمِينَا لِيَتَصَرَّفَا مَعًا بِخِلَافِ مَا إذَا غَابَ أَحَدُ الْوَصِيِّينَ وَإِنْ قَالَ‏:‏ أَيُّكُمَا بَاعَ سِلْعَتِي فَبَيْعُهُ جَائِزٌ صَحَّ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَيْ‏.‏

وَلَا ‏(‏يَبِيعُ‏)‏ وَكِيلٌ ‏(‏نَسِيئَةً‏)‏ إلَّا بِإِذْنٍ فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاق يَنْصَرِفُ إلَى الْحُلُولِ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَيْ وَلَا يَبِيعُ بِغَيْرِ نَقْدٍ كَ ‏(‏مَنْفَعَةٍ أَوْ عَرَضٍ‏)‏ فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ مَحْمُولٌ عَلَى الْعُرْفِ وَالْعُرْفُ كَوْنُ الثَّمَنِ مِنْ النَّقْدَيْنِ ‏(‏إلَّا بِإِذْنٍ‏)‏ مِنْ الْمُوَكِّلِ أَوْ قَرِينَةٍ كَبَيْعِ حِزَمٍ وَنَحْوِهَا بِفُلُوسٍ‏.‏

‏(‏أَوْ‏)‏ أَيْ وَلَا يَبِيعُ وَكِيلٌ ‏(‏بِ‏)‏ نَقْدٍ ‏(‏غَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ أَوْ‏)‏ بِنَقْدِ ‏(‏غَيْرِ غَالِبِهِ‏)‏ رَوَاجًا ‏(‏إنْ جَمَعَ‏)‏ الْبَلَدُ ‏(‏نُقُودًا أَوْ‏)‏ بِغَيْرِ ‏(‏الْأَصَحِّ‏)‏ مِنْ نُقُودِهِ ‏(‏إنْ تَسَاوَتْ‏)‏ رَوَاجًا ‏(‏إلَّا إنْ عَيَّنَهُ مُوَكِّلٌ‏)‏؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ الْوَكَالَةِ إنَّمَا يَمْلِكُ بِهِ الْوَكِيلُ فِعْلَ الْأَحَظِّ لِمُوَكِّلِهِ، بِخِلَافِ الْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْمُضَارَبَةِ الرِّبْحُ، وَهُوَ فِي النَّسَاءِ وَنَحْوِهِ أَكْثَرُ، وَاسْتِيفَاءُ الثَّمَنِ فِي الْمُضَارَبَةِ عَلَى الْمُضَارِبِ، فَضَرَرُ التَّأْخِيرِ فِي التَّقَاضِي وَالتَّنْقِيضِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ ‏(‏وَإِنْ وَكَّلَ عَبْدٌ غَيْرَهُ‏)‏ فِي بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ وَنَحْوِهِ مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ ‏(‏وَلَوْ فِي شِرَاءِ نَفْسِهِ‏)‏ أَوْ قِنٍّ آخَرَ غَيْرِهِ ‏(‏مِنْ سَيِّدِهِ صَحَّ‏)‏ ذَلِكَ ‏(‏إنْ أَذِنَ‏)‏ فِيهِ سَيِّدُهُ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لِحَقِّ سَيِّدِهِ وَمَعَ إذْنِهِ صَارَ كَمُطْلَقِ التَّصَرُّفِ وَإِذَا جَازَ لَهُ الشِّرَاءُ مِنْ غَيْرِهِ جَازَ لَهُ مِنْ سَيِّدِهِ وَإِذَا جَازَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ سَيِّدِ غَيْرِهِ جَازَ أَنْ يَشْتَرِيَ نَفْسَهُ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ سَيِّدُهُ فِي التَّوَكُّلِ ‏(‏فَلَا‏)‏ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ لِلْحَجْرِ عَلَيْهِ ‏(‏فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ الْعَبْدُ‏)‏ كَعُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ وَإِيجَابِ النِّكَاحِ وَقَبُولِهِ‏.‏

وَعُلِمَ مِنْهُ صِحَّةُ تَوْكِيلِهِ فِيمَا يَمْلِكُهُ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ كَطَلَاقٍ وَرَجْعَةٍ وَصَدَقَةٍ بِنَحْوِ رَغِيفٍ وَإِذَا اشْتَرَى الْقِنُّ نَفْسَهُ مِنْ سَيِّدِهِ وَقَالَ اشْتَرَيْتُ نَفْسِي لِزَيْدٍ وَصَدَّقَهُ سَيِّدُهُ وَزَيْدٌ صَحَّ وَلَزِمَ زَيْدًا الثَّمَنُ وَإِنْ قَالَ السَّيِّدُ‏:‏ مَا اشْتَرَيْتُ نَفْسَك إلَّا لِنَفْسِك عَتَقَ لِإِقْرَارِ سَيِّدِهِ بِمَا يُوجِبُهُ، وَعَلَيْهِ الثَّمَنُ فِي ذِمَّتِهِ لِسَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَمْ يَحْصُلُ لِزَيْدٍ وَلَا يَدَّعِيهِ سَيِّدُهُ عَلَيْهِ، وَالظَّاهِرُ مِمَّنْ بَاشَرَ الْعَقْدَ أَنَّهُ لَهُ، وَإِنْ صَدَّقَهُ السَّيِّدُ وَكَذَّبَهُ زَيْدٌ، فَإِنْ كَذَّبَهُ فِي الْوَكَالَةِ حَلَفَ وَبَرِئَ، وَلِلسَّيِّدِ فَسْخُ الْبَيْعِ لِتَعَذُّرِ الثَّمَنِ وَإِنْ صَدَّقَهُ فِي الْوَكَالَةِ وَكَذَّبَهُ فِي شِرَاءِ نَفْسِهِ لَهُ - فَقَوْلُ الْقِنِّ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي التَّصَرُّفِ الْمَأْذُونِ فِيهِ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏لزوم العقود‏]‏

وَالْوَكَالَةُ وَالشَّرِكَةُ وَالْمُضَارَبَةُ وَالْمُسَاقَاةُ وَالْمُزَارَعَةُ الْوَدِيعَةُ وَالْجَعَالَةُ وَالْمُسَابَقَةُ وَالْعَارِيَّةُ ‏(‏عُقُودٌ جَائِزَةٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ‏)‏؛ لِأَنَّ غَايَتَهَا إذْنٌ وَبَذْلُ نَفْعٍ وَكِلَاهُمَا جَائِزٌ ‏(‏لِكُلٍّ‏)‏ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ‏(‏فَسْخُهَا‏)‏ أَيْ هَذِهِ الْعُقُودِ كَفَسْخِ الْإِذْنِ فِي أَكْلِ طَعَامِهِ ‏(‏وَتَبْطُلُ‏)‏ هَذِهِ الْعُقُودُ ‏(‏بِمَوْتٍ أَوْ جُنُونٍ‏)‏ مُطْبَقٍ، لِأَنَّهَا تَعْتَمِدُ الْحَيَاةَ وَالْعَقْلَ فَإِذَا انْتَفَى ذَلِكَ انْتَفَتْ صِحَّتُهَا لِانْتِفَاءِ مَا تَعْتَمِدُ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ، لَكِنْ لَوْ وُكِّلَ وَلِيِّ يَتِيمٍ أَوْ نَاظِرُ وَقْفٍ أَوْ عَقَدَ عَقْدًا جَائِزًا غَيْرَهَا ثُمَّ مَاتَ لَمْ تَبْطُلْ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ عَلَى غَيْرِهِ كَمَا فِي الْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهِ ‏(‏وَ‏)‏ تَبْطُلُ وَكَالَةٌ بِ ‏(‏حَجْرٍ لِسَفَهٍ‏)‏ عَلَى وَكِيلٍ أَوْ مُوَكِّلٍ ‏(‏حَيْثُ اُعْتُبِرَ رُشْدٌ‏)‏ كَالتَّصَرُّفِ الْمَالِيِّ فَإِنْ وُكِّلَ فِي نَحْوِ طَلَاقٍ وَرَجْعَةٍ لَمْ تَبْطُلْ بِسَفَهٍ وَكَذَا لَوْ وُكِّلَ فِي نَحْوِ احْتِطَابٍ أَوْ اسْتِسْقَاءِ مَاءٍ وَنَحْوِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ تَبْطُلُ وَكَالَةٌ ‏(‏بِسُكْرٍ يَفْسُقُ بِهِ‏)‏ بِخِلَافِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ ‏(‏فِيمَا يُنَافِيهِ‏)‏ الْفِسْقُ ‏(‏كَإِيجَابِ نِكَاحٍ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَاسْتِيفَاءِ حَدٍّ وَإِثْبَاتِهِ لِخُرُوجِهِ بِالْفِسْقِ عَنْ أَهْلِيَّةِ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ تَبْطُلُ وَكَالَةٌ ‏(‏لِفَلَسِ مُوَكِّلٍ فِيمَا حُجِرَ عَلَيْهِ فِيهِ‏)‏ كَأَعْيَانِ مَالِهِ لِانْقِطَاعِ تَصَرُّفِهِ فِيهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ وُكِّلَ فِي شِرَاءِ شَيْءٍ فِي ذِمَّتِهِ أَوْ فِي ضَمَانٍ أَوْ اقْتِرَاضٍ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ تَبْطُلُ وَكَالَةٌ ‏(‏بِرِدَّتِهِ‏)‏ أَيْ الْمُوَكِّلِ لِمَنْعِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ مَا دَامَ مُرْتَدًّا وَلَا تَبْطُلُ بِرِدَّةِ وَكِيلٍ إلَّا فِيمَا يُنَافِيهَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ تَبْطُلُ وَكَالَةٌ ‏(‏بِتَدْبِيرِهِ‏)‏ أَيْ السَّيِّدِ ‏(‏أَوْ كِتَابَتِهِ قِنًّا وُكِّلَ فِي عِتْقِهِ‏)‏ لِدَلَالَتِهِ عَلَى رُجُوعِ الْمُوَكِّلِ عَنْ الْوَكَالَةِ فِي الْعِتْقِ، و‏(‏لَا‏)‏ تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ ‏(‏بِسُكْنَاهُ‏)‏ أَيْ الْمُوَكِّلِ ‏(‏أَوْ بَيْعِهِ‏)‏ بَيْعًا ‏(‏فَاسِدًا مَا‏)‏ أَيْ شَيْئًا ‏(‏وُكِّلَ فِي بَيْعِهِ‏)‏؛ لِأَنَّ السُّكْنَى لَا تَخْتَصُّ بِالْمِلْكِ، وَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ لَا يَنْقُلُهُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ ‏(‏بِوَطْئِهِ‏)‏ أَيْ الْمُوَكِّلِ ‏(‏لَا قُبْلَتِهِ‏)‏ أَوْ مُبَاشَرَتِهِ دُونَ فَرْجٍ ‏(‏زَوْجَةً وَكَّلَ فِي طَلَاقِهَا‏)‏؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ رَغْبَتِهِ فِيهَا وَاخْتِيَارُ إمْسَاكِهَا؛ وَلِذَلِكَ كَانَ رَجْعَةً فِي الْمُطَلَّقَةِ رَجْعِيًّا بِخِلَافِ الْقُبْلَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ دُونَ الْفَرْجِ وَنَحْوِهَا خِلَافًا لِمَا فِي الْإِقْنَاعِ ‏(‏وَكَذَا وَكِيلٌ فِيمَا يُنَافِيهَا‏)‏ كَارْتِدَادِ وَكِيلٍ فِي إيجَابِ نِكَاحٍ أَوْ قَبُولِهِ فَتَبْطُلُ وَكَالَتُهُ بِذَلِكَ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ تَبْطُلُ وَكَالَةٌ ‏(‏بِدَلَالَةِ رُجُوعِ أَحَدِهِمَا‏)‏ أَيْ الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ وَطْءٍ الْمُوَكِّلِ زَوْجَةً وَكَّلَ فِي طَلَاقِهَا وَكَقَبُولِ الْوَكِيلِ الْوَكَالَةَ فِي عِتْقِ عَبْدٍ مِنْ سَيِّدِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ وَكَّلَهُ آخَرَ فِي شِرَائِهِ مِنْهُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ تَبْطُلُ وَكَالَةٌ ‏(‏بِإِقْرَارِهِ‏)‏ أَيْ الْوَكِيلِ ‏(‏عَلَى مُوَكِّلِهِ بِقَبْضِ مَا‏)‏ أَيْ شَيْءٍ ‏(‏وَكَّلَ‏)‏ الْوَكِيلُ ‏(‏فِيهِ أَيْ فِي قَبْضِهِ‏)‏ أَوْ الْخُصُومَةِ فِيهِ لِاعْتِرَافِ الْوَكِيلِ بِذَهَابِ مَحَلِّ الْوَكَالَةِ بِالْقَبْضِ ‏(‏وَ‏)‏ تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ ‏(‏بِتَلَفِ الْعَيْنِ‏)‏ الْمُوَكَّلِ فِي التَّصَرُّفِ فِيهَا لِذَهَابِ مَحَلِّ الْوَكَالَةِ وَكَذَا لَوْ وَكَّلَ فِي طَلَاقِ امْرَأَته أَوْ بَيْعِ عَبْدِهِ أَوْ قَبْضِ ثَمَنِ دَارِهٍ مِنْ فُلَانٍ فَقَامَتْ بَيِّنَةٌ بِطَلَاقِ الزَّوْجَةِ أَوْ عِتْقِ الْعَبْدِ أَوْ انْتِقَالِ الدَّارِ عَنْ الْمُوَكِّلِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِ ‏(‏دَفْعِ عِوَضٍ لَمْ يُؤْمَرْ‏)‏ الْوَكِيلُ ‏(‏بِهِ‏)‏ بِأَنْ أَعْطَاهُ دِينَارَيْنِ مَثَلًا، وَقَالَ اشْتَرِ بِهَذَا ثَوْبًا وَبِهَذَا كِتَابًا فَتَلِفَ دِينَارُ الْكِتَابِ مَثَلًا وَاشْتَرَاهُ بِدِينَارِ الثَّوْبِ فَلَا يَصِحُّ الشِّرَاءُ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْمُوَكِّلَ ثَمَنٌ لَمْ يَلْتَزِمْهُ وَلَا رَضِيَ بِلُزُومِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ ب ‏(‏ إنْفَاقِ مَا أُمِرَ بِهِ‏)‏ أَيْ بِالشِّرَاءِ بِهِ وَنَحْوَهُ وَكَذَا لَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ وَلَوْ بِخَلْطِهِ بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ بِهِ ‏(‏وَلَوْ نَوَى اقْتِرَاضَهُ كَ‏)‏ مَا تَبْطُلُ ب ‏(‏تَلَفِهِ‏)‏ لِتَعَذُّرِ دَفْعِ مَا تَأَدَّاهُ مِنْ الْمُوَكِّلِ ثَمَنًا بِمَا وُكِّلَ فِي شِرَائِهِ وَنَحْوِهِ ‏(‏وَلَوْ عُزِلَ‏)‏ الْوَكِيلُ ‏(‏عَوَّضَهُ‏)‏ أَيْ عَوَّضَ مَا أَنْفَقَهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْزُولَ لَا يَصِيرُ لِلْمُوَكِّلِ حَتَّى يَقْبِضَهُ و‏(‏لَا‏)‏ تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ ‏(‏بِتَعَدٍّ‏)‏ فَلَوْ دَفَعَ نَحْوَ ثَوْبٍ لِمَنْ يَبِيعُهُ فَتَعَدَّى بِلُبْسِهِ أَوْ رَهْنِهِ وَنَحْوِهِ - لَمْ تَبْطُلْ وَكَالَتُهُ مَا بَقِيَتْ الْعَيْنُ؛ لِأَنَّهَا إذْنٌ فِي تَصَرُّفٍ مَعَ ائْتِمَانٍ فَإِذَا زَالَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَزُلْ الْآخَرُ و‏(‏يَضْمَنُ‏)‏ الْوَكِيلُ مَا تَعَدَّى بِهِ أَوْ فَرَّطَ ‏(‏ثُمَّ إنْ تَصَرَّفَ كَمَا أُمِرَ‏)‏ أَيْ أَمَرَهُ الْمُوَكِّلُ صَحَّ تَصَرُّفُهُ لِبَقَاءِ الْإِذْنِ ‏(‏وَبَرِئَ بِقَبْضِهِ الْعِوَضَ‏)‏ فَإِذَا تَلِفَ بِيَدِهِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ فِيهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ ‏"‏ بِقَبْضِهِ الْعِوَضَ ‏"‏ لَيْسَ قَيْدًا فِي بَرَاءَتِهِ بَلْ يَبْرَأُ بِمُجَرَّدِ تَسْلِيمِ الْعَيْنِ وَإِذَا قُبِضَ الْعِوَضُ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بَدَلًا عَمَّا هُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ لِمَا تَقَدَّمَ ‏(‏وَلَا‏)‏ تَبْطُلُ وَكَالَةٌ ‏(‏بِإِغْمَاءٍ‏)‏ مُوَكِّلٍ أَوْ وَكِيلٍ؛ لِأَنَّهُ لَا تَثْبُتُ بِهِ الْوِلَايَةُ أَشْبَهَ النَّوْمَ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لَا بِ ‏(‏عِتْقِ وَكِيلٍ، أَوْ بَيْعِهِ، أَوْ إبَاقِهِ‏)‏ أَوْ هِبَتِهِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْوَكَالَةِ فَلَا تَمْنَعُ اسْتِدَامَتِهَا لَكِنْ لَا يَتَصَرَّفُ مَنْ انْتَقَلَ الْمِلْكُ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ الثَّانِي ‏(‏وَ‏)‏ لَا ب ‏(‏طَلَاقِ‏)‏ زَوْجَةِ ‏(‏وَكِيلِهِ‏)‏ فَلَوْ وَكَّلَ زَوْجَتَهُ فِي تَصَرُّفٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا لَمْ تَبْطُلُ وَكَالَتُهَا؛ لِأَنَّ زَوَالَ النِّكَاحِ لَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْوَكَالَةِ، فَلَا يَقْطَعُ اسْتِدَامَتِهَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لَا ب ‏(‏جُحُودِ‏)‏ وَكَالَةٍ بِأَنْ جَحَدَ مُوَكِّلٌ، أَوْ وَكِيلٌ الْوَكَالَةَ فَلَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى رَفْعِ الْإِذْنِ السَّابِقِ، كَإِنْكَارِهِ زَوْجِيَّةَ امْرَأَةٍ، ثُمَّ تَقُومُ بِهِ بَيِّنَةٌ، فَلَيْسَ طَلَاقًا ‏(‏وَيَنْعَزِلُ‏)‏ وَكِيلٌ ‏(‏بِمَوْتِ مُوَكِّلٍ وَعَزْلِهِ، وَلَوْ لَمْ يَبْلُغْهُ‏)‏ أَيْ الْوَكِيلَ مَوْتُ مُوَكِّلِهِ أَوْ عَزْلُهُ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَا يَفْتَقِرُ رَفْعُهَا مِنْ أَحَدِهِمَا إلَى رِضَا الْآخَرِ، فَلَمْ تَفْتَقِرْ إلَى عِلْمِهِ كَالطَّلَاقِ، فَيَضْمَنُ مَا تَصَرَّفَ فِيهِ ‏(‏كَ‏)‏ عَزْلِ ‏(‏شَرِيكٍ‏)‏ بِمَوْتِ شَرِيكِهِ وَعَزْلِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ عَزْلِ ‏(‏مُضَارِبٍ‏)‏ بِمَوْتِ رَبِّ الْمَالِ وَعَزْلِهِ، وَلَوْ لَمْ يَبْلُغْهُ و‏(‏لَا‏)‏ يَنْعَزِلُ ‏(‏مُودَعٌ‏)‏ قَبْلَ عِلْمِهِ بِمَوْتِ الْمُودِعِ أَوْ عَزْلِهِ، فَلَا يَضْمَنُ تَلَفَهَا عِنْدَهُ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ، وَلَوْ نَقَلَهَا مِنْ مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ، أَوْ سَافَرَ بِهَا مَعَ غَيْبَةِ رَبِّهَا وَوَكِيلِهِ وَكَانَ السَّفَرُ أَحْفَظَ لَهَا وَنَحْوَهُ‏.‏

‏(‏وَلَا يُقْبَلُ‏)‏ قَوْلُ مُوَكِّلٍ إنَّهُ عَزَلَ وَكِيلَهُ قَبْلَ تَصَرُّفِهِ فِي غَيْرِ طَلَاقٍ وَيَأْتِي وَكَذَا شَرِيكٌ وَرَبُّ مَالِ مُضَارَبَةٍ ‏(‏بِلَا بَيِّنَةٍ‏)‏ بِالْعَزْلِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْوَكَالَةِ وَالشَّرِكَةِ وَبَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْوَكِيلِ وَالشَّرِيكِ وَالْمُضَارِبِ مِنْ ضَمَانِ مَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ بَعْدَ الْوَقْتِ الَّذِي ادَّعَى عَزْلَهُ فِيهِ ‏(‏وَيُقْبَلُ‏)‏ قَوْلُ مُوَكِّلٍ فِي إخْرَاجِ زَكَاتِهِ ‏(‏أَنَّهُ أَخْرَجَ زَكَاتَهُ قَبْلَ دَفْعِ وَكِيلِهِ‏)‏ زَكَاتَهُ ‏(‏لِلسَّاعِي‏)‏؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِي أَدَائِهَا وَزَمَنِهِ وَلِأَنَّهُ انْعَزَلَ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ بِإِخْرَاجِ الْمَالِكِ زَكَاةَ نَفْسِهِ ‏(‏وَتُؤْخَذُ الزَّكَاةُ‏)‏ الَّتِي دَفَعَهَا الْوَكِيلُ مِنْ السَّاعِي ‏(‏إنْ بَقِيَتْ بِيَدِهِ‏)‏ لِفَسَادِ الْقَبْضِ فَإِنْ فَرَّقَهَا السَّاعِي عَلَى مُسْتَحَقِّيهَا أَوْ تَلِفَتْ بِيَدِهِ فَلَا رُجُوعَ عَلَيْهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُقْبَلُ ‏(‏إقْرَارُ وَكِيلٍ بِعَيْبٍ فِيمَا بَاعَهُ‏)‏؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فَقُبِلَ قَوْلُهُ فِي صِفَةِ الْمَبِيعِ كَقَدْرِ ثَمَنِهِ ‏(‏وَإِنْ‏)‏ نَكَلَ الْوَكِيلُ عَنْ الْحَلِفِ عَلَى نَفْيِ الْعَيْبِ فِي الْمَبِيعِ إنْ قِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ ف ‏(‏رُدَّ‏)‏ عَلَيْهِ الْمَبِيعُ ‏(‏بِنُكُولِهِ رُدَّ‏)‏ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ‏(‏عَلَى مُوَكِّلٍ‏)‏ لِتَعَلُّقِ حُقُوقِ الْعَقْدِ بِهِ كَمَا لَوْ بَاشَرَهُ ‏(‏وَعُزِلَ‏)‏ وَكِيلٌ ‏(‏فِي‏)‏ وَكَالَةٍ ‏(‏دَوْرِيَّةٍ وَهِيَ‏)‏ قَوْلُ مُوَكِّلٍ ‏(‏وَكَّلْتُكَ وَكُلَّمَا عَزَلْتُكَ فَقَدْ وَكَّلْتُكَ‏)‏ سُمِّيَتْ دَوْرِيَّةً لِدَوَرَانِهَا عَلَى الْعَزْلِ وَهِيَ صَحِيحَةٌ لِصِحَّةِ تَعْلِيقِ الْوَكَالَةِ ‏(‏بِ‏)‏ قَوْلِ مُوَكِّلِ لَهُ ‏(‏عَزَلْتُكَ وَكُلَّمَا وَكَّلْتُكَ فَقَدْ عَزَلْتُكَ وَهُوَ‏)‏ أَيْ الْعَزْلُ الْمَذْكُورُ ‏(‏فَسْخٌ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ‏)‏ وَهُوَ التَّوْكِيلُ فَكُلَّمَا صَارَ وَكِيلًا انْعَزَلَ، فَلَوْ قَالَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ‏:‏ وَكَّلْتُكَ فِي كَذَا لَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ لِوُجُودِ الْعَزْلِ الْمُعَلَّقِ بِوُجُودِ الْوَكَالَةِ قَالَ فِي شَرْحِهِ قُلْتُ حَتَّى لَوْ وَكَّلَهُ وَكَالَةً دَوْرِيَّةً لَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ لِمَا سَبَقَ ‏(‏وَمَنْ قِيلَ لَهُ اشْتَرِ كَذَا بَيْنَنَا فَقَالَ‏)‏ مَقُولٌ لَهُ ذَلِكَ ‏(‏نَعَمْ ثُمَّ قَالَهَا‏)‏ أَيْ نَعَمْ ‏(‏لِآخَرَ‏)‏ قَالَ لَهُ ثَانِيًا مِثْلَ مَا قَالَ لَهُ الْأَوَّلُ ‏(‏فَقَدْ عَزَلَ نَفْسَهُ‏)‏ مِنْ وَكَالَةِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ إجَابَتَهُ لِلثَّانِي دَلِيلُ رُجُوعِهِ عَنْ إجَابَةِ الْأَوَّلِ ‏(‏وَتَكُونُ‏)‏ الْعَيْنُ الْمُشْتَرَاةُ ‏(‏لَهُ‏)‏ أَيْ الْوَكِيلِ ‏(‏وَلِلثَّانِي‏)‏ إذْ لَا مُفَضِّلَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ ‏(‏وَمَا بِيَدِهِ‏)‏ أَيْ الْوَكِيلِ، وَكَذَا كُلُّ أَمِينٍ ‏(‏بَعْدَ عَزْلِهِ أَمَانَةٌ‏)‏ فَلَا يَضْمَنُ حَيْثُ لَمْ يَتَصَرَّفْ وَلَمْ يَتَعَدَّ أَوْ لَمْ يُفَرِّطْ وَكَذَا هِبَةٌ بِيَدِ وَلَدٍ بَعْدَ رُجُوعِ أَبِيهِ فِيهَا‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏حقوق العقد‏]‏

‏(‏وَحُقُوقُ الْعَقْدِ‏)‏ كَتَسْلِيمِ الثَّمَنِ وَقَبْضِ الْمَبِيعِ وَضَمَانُ الدَّرَكِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَنَحْوِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَقْدُ مِمَّا تَجُوزُ إضَافَتُهُ إلَى الْوَكِيلِ، كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ أَوْ لَا كَالنِّكَاحِ ‏(‏مُتَعَلِّقَةٌ بِمُوَكِّلٍ‏)‏ لِوُقُوعِ الْعَقْدِ لَهُ، وَنَصَّ أَنَّ مَنْ وُكِّلَ فِي بَيْعِ ثَوْبٍ فَفَعَلَ وَوُهِبَ لَهُ مِنْدِيلٌ، أَيْ زَمَنَ الْخِيَارَيْنِ أَنَّهُ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ ‏(‏فَلَا يَعْتِقُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى وَكِيلٍ‏)‏ كَأَبِيهِ وَأَخِيهِ، إذَا اشْتَرَاهُ لِمُوَكِّلِهِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَنْتَقِلْ لِلْوَكِيلِ ‏(‏وَيَنْتَقِلُ مِلْكٌ‏)‏ مِنْ بَائِعٍ ‏(‏لِمُوَكِّلٍ‏)‏؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ قَبِلَهُ لَهُ أَشْبَهَ مَا لَوْ تَزَوَّجَ لَهُ، وَكَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ‏.‏

‏(‏وَيُطَالِبُ‏)‏ الْمُوَكِّلُ ‏(‏بِثَمَنِ‏)‏ مَا اشْتَرَاهُ وَكِيلُهُ لَهُ ‏(‏وَيَبْرَأُ مِنْهُ‏)‏ مُوَكِّلٌ ‏(‏بِإِبْرَاءِ بَائِعٍ وَكِيلًا لَمْ يَعْلَمْ‏)‏ بَائِعٌ ‏(‏أَنَّهُ وَكِيلٌ‏)‏ لِتَعَلُّقِهِ بِذِمَّتِهِ، وَلَا يَرْجِعُ وَكِيلُهُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَإِنْ عَلِمَهُ بَائِعٌ وَكِيلًا فَأَبْرَأَهُ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ عَلَيْهِ يُبْرِئُهُ مِنْهُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لِمُوَكِّلٍ أَنْ ‏(‏يَرُدَّ بِعَيْبٍ‏)‏ مَا اشْتَرَاهُ لَهُ وَكِيلٌ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ فَمَلَكَ الطَّلَبَ بِهِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ‏.‏

‏(‏وَيَضْمَنُ‏)‏ الْمُوَكِّلُ ‏(‏الْعُهْدَةَ‏)‏ إنْ ظَهَرَ الْمَبِيعُ، مُسْتَحَقًّا وَنَحْوَهُ، وَإِنْ عَلِمَ مُشْتَرٍ بِالْوَكَالَةِ فَلَا طَلَبَ لَهُ عَلَى وَكِيلٍ وَإِلَّا فَلَهُ طَلَبُهُ أَيْضًا لِلتَّغْرِيرِ ‏(‏وَنَحْوَهُ‏)‏ كَمِلْكِ مُشْتَرٍ طَلَبَ بَائِعٍ بِإِقْبَاضِ مَا بَاعَهُ لَهُ وَكِيلُهُ، لَكِنْ إنْ بَاعَ وَكِيلٌ بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ، فَلِكُلٍّ مِنْ وَكِيلٍ وَمُوَكِّلٍ الطَّلَبُ بِهِ لِصِحَّةِ قَبْضِ كُلٍّ مِنْهُمَا لَهُ وَإِنْ اشْتَرَى وَكِيلٌ بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِ ثَبَتَ فِي ذِمَّةِ الْمُوَكِّلِ أَصْلًا، وَفِي ذِمَّةِ الْوَكِيلِ تَبَعًا كَالضَّامِنِ، وَلِلْبَائِعِ مُطَالَبَةُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا وَإِنْ أُبْرِئَ الْمُوَكِّلُ بَرِئَ الْوَكِيلُ لَا عَكْسُهُ كَمَا تَقَدَّمَ ‏(‏وَيَخْتَصُّ‏)‏ وَكِيلٌ ‏(‏بِخِيَارِ مَجْلِسٍ لَمْ يَحْضُرْهُ‏)‏ أَيْ مَجْلِسَ التَّبَايُعِ ‏(‏مُوَكِّلٌ‏)‏؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَعَلُّقِ الْعَاقِدِ، كَإِيجَابٍ وَقَبُولٍ، فَإِنْ حَضَرَهُ مُوَكِّلٌ فَالْأَمْرُ لَهُ إنْ شَاءَ حَجَرَ عَلَى الْوَكِيلِ فِيهِ أَوْ أَبْقَاهُ لَهُ مَعَ كَوْنِهِ يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ لَهُ حَقِيقَةٌ ‏(‏وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ وَكِيلٍ لِنَفْسِهِ‏)‏ بِأَنْ يَشْتَرِيَ مَا وُكِّلَ فِي بَيْعِهِ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ ‏(‏وَلَا‏)‏ يَصِحُّ ‏(‏شِرَاؤُهُ مِنْهَا‏)‏ أَيْ نَفْسِهِ ‏(‏لِمُوَكِّلِهِ‏)‏ بِأَنْ وُكِّلَ فِي شِرَاءِ شَيْءٍ فَاشْتَرَاهُ مِنْ نَفْسِهِ لِمُوَكِّلِهِ،؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْعُرْفِ فِي ذَلِكَ، وَكَمَا لَوْ صَرَّحَ فَقَالَ لَهُ‏:‏ بِعْهُ أَوْ اشْتَرِهِ مِنْ غَيْرِكَ، وَلِلُحُوقِ التُّهْمَةُ لَهُ فِي ذَلِكَ ‏(‏إلَّا إنْ أَذِنَ‏)‏ مُوَكِّلٌ لِوَكِيلِهِ فِي بَيْعِهِ لِنَفْسِهِ، أَوْ شِرَائِهِ مِنْهَا‏.‏

‏(‏فَيَصِحُّ‏)‏ لِلْوَكِيلِ إذَا ‏(‏تَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ فِيهِمَا كَأَبِ الصَّغِيرِ‏)‏ وَنَحْوِهِ، إذَا بَاعَ مِنْ مَالِهِ لِوَلَدِهِ، أَوْ اشْتَرَى مِنْهُ لَهُ ‏(‏وَ‏)‏ كَ ‏(‏تَوْكِيلِهِ‏)‏ أَيْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ ‏(‏فِي بَيْعِهِ، وَ‏)‏ تَوْكِيلِ ‏(‏آخَرَ‏)‏ لِذَلِكَ الْوَكِيلِ ‏(‏فِي شِرَائِهِ‏)‏ فَيَتَوَلَّى طَرَفَيْ عَقْدِهِ ‏(‏وَمِثْلُهُ‏)‏ أَيْ عَقْدِ الْبَيْعِ ‏(‏نِكَاحٌ‏)‏ بِأَنْ يُوَكِّلَ الْوَلِيُّ الزَّوْجَ، أَوْ عَكْسَهُ أَوْ يُوَكِّلَا وَاحِدًا، أَوْ يُزَوِّجَ عَبْدَهُ الصَّغِيرَ بِأَمَتِهِ وَنَحْوَهُ، فَيَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ مِثْلُهُ ‏(‏دَعْوَى‏)‏ بِأَنْ يُوَكِّلَهُ الْمُتَدَاعِيَانِ فِي الدَّعْوَى وَالْجَوَابِ عَنْهَا وَإِقَامَةِ الْحُجَّةِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَقَالَ الْأَزَجِيُّ فِي الدَّعْوَى‏:‏ الَّذِي يَقَعُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ، لَا يَصِحُّ لِلتَّضَادِّ ‏(‏وَوَلَدُهُ‏)‏ أَيْ الْوَكِيلِ ‏(‏وَوَالِدُهُ وَمُكَاتَبُهُ وَنَحْوِهِمْ‏)‏ مِمَّنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لَهُ، كَزَوْجَتِهِ وَابْنِ بِنْتِهِ وَأَبِي أَمَةٍ ‏(‏كَنَفْسِهِ‏)‏ فَلَا يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ الْبَيْعُ لِأَحَدِهِمْ، وَلَا الشِّرَاءُ مِنْهُ مَعَ الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ فِي حَقِّهِمْ، وَيَمِيلُ إلَى تَرْكِ الِاسْتِقْصَاءِ عَلَيْهِمْ فِي الثَّمَنِ، كَتُهْمَتِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ بِخِلَافِ نَحْوِ أَخِيهِ وَعَمِّهِ ‏(‏وَكَذَا حَاكِمٌ وَأَمِينُهُ وَوَصِيٌّ وَنَاظِرُ وَقْفٍ وَمُضَارِبٌ‏)‏‏.‏

قَالَ ‏(‏الْمُنَقِّحُ وَشَرِيكُ عَنَانٍ وَوُجُوهٍ‏)‏ فَلَا يَبِيعُ أَحَدٌ مِنْهُمْ مِنْ نَفْسِهِ وَلَا وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَنَحْوَهُ، وَلَا يَشْتَرِي مِنْ نَفْسِهِ وَلَا مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَنَحْوَهُ لِمَا تَقَدَّمَ فَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِنَاظِرِ الْوَقْفِ غَيْرُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَجِّرَ عَيْنَ الْوَقْفِ لِوَلَدِهِ وَلَا زَوْجَتِهِ، وَلَا تُؤَجِّرُ نَاظِرَةٌ زَوْجَهَا وَنَحْوَهُ لِلتُّهْمَةِ، وَقَدْ ذَكَرْتُ مَا فِيهِ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ‏(‏وَإِنْ بَاعَ وَكِيلٌ‏)‏ فِي بَيْعٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ بَاعَ ‏(‏مُضَارِبٌ بِزَائِدٍ عَلَى‏)‏ ثَمَنٍ ‏(‏مُقَدَّرٍ‏)‏ أَيْ قَدَّرَهُ لَهُ رَبُّ الْمَالِ صَحَّ ‏(‏أَوْ‏)‏ بَاعَا بِزَائِدٍ عَلَى ‏(‏ثَمَنِ مِثْلٍ‏)‏ إنْ لَمْ يُقَدِّرْ لَهُمَا ثَمَنًا ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ الزَّائِدُ ‏(‏مِنْ غَيْرِ جِنْسِ مَا أُمِرَا بِهِ‏)‏ أَيْ الْوَكِيلِ وَالْمُضَارِبِ بِالْبَيْعِ بِهِ ‏(‏صَحَّ‏)‏ الْبَيْعُ لِوُقُوعِهِ بِالْمَأْذُونِ فِيهِ، وَزِيَادَةٌ تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ، وَلِأَنَّ مَنْ رَضِيَ بِمِائَةٍ لَا يَكْرَهُ أَنْ يُزَادَ عَلَيْهَا ثَوْبٌ أَوْ نَحْوُهُ، وَإِنْ قَالَ‏:‏ بِعْهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَبَاعَهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ، أَوْ بِتِسْعِينَ دِرْهَمًا وَعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَنَحْوَهُ، أَوْ بِمِائَةِ ثَوْبٍ، أَوْ بِثَمَانِينَ دِرْهَمًا وَعِشْرِينَ ثَوْبًا لَمْ يَصِحَّ ذَكَرَهُ الْقَاضِي لِلْمُخَالَفَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ فِيمَا إذَا جَعَلَ مَكَانَ الدَّرَاهِمِ أَوْ مَكَانَ بَعْضِهَا دَنَانِيرَ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ عُرْفًا؛ لِأَنَّ مَنْ رَضِيَ بِدِرْهَمٍ رَضِيَ مَكَانَهُ دِينَارًا ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي‏.‏

‏(‏وَكَذَا‏)‏ يَصِحُّ الْبَيْعُ ‏(‏إنْ بَاعَا‏)‏ أَيْ الْوَكِيلُ وَالْمُضَارِبُ ‏(‏بِأَنْقَصَ‏)‏ عَنْ مُقَدَّرٍ أَوْ ثَمَنِ ‏(‏مِثْلٍ، أَوْ اشْتَرَيَا بِأَزْيَدَ‏)‏ عَنْ مُقَدَّرٍ أَوْ ثَمَنِ مِثْلٍ نَصًّا لِأَنَّ مَنْ صَحَّ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ بِثَمَنٍ صَحَّ بِأَنْقَصَ مِنْهُ وَأَزِيدَ كَالْمَرِيضِ ‏(‏وَيَضْمَنَانِ‏)‏ أَيْ الْوَكِيلُ وَالْمُضَارِبُ ‏(‏فِي شِرَاءٍ‏)‏ بِأَزْيَدَ مِنْ مُقَدَّرٍ أَوْ ثَمَنِ مِثْلٍ ‏(‏الزَّائِدَ‏)‏ عَنْهُمَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَضْمَنَانِ ‏(‏فِي بَيْعٍ‏)‏ بِأَنْقَصَ عَنْ مُقَدَّرٍ ‏(‏كُلَّ النَّقْصِ عَنْ مُقَدَّرٍ‏)‏ وَيَضْمَنَانِ فِي بَيْعٍ إنْ لَمْ يُقَدَّرْ لَهُمَا ثَمَنُ كُلٍّ ‏(‏مَا لَا يُتَغَابَنُ بِمِثْلِهِ عَادَةً‏)‏ كَعِشْرِينَ مِنْ مِائَةٍ بِخِلَافِ مَا يُتَغَابَنُ بِهِ كَالدِّرْهَمِ مِنْ عَشَرَةٍ لِعُسْرِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ وَحَيْثُ نَقَصَ مَا لَا يُتَغَابَنُ بِهِ ضَمِنَا جَمِيعَ مَا نَقَصَ ‏(‏عَنْ ثَمَنِ مِثْلٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُ تَفْرِيطٌ بِتَرْكِ الِاحْتِيَاطِ وَطَلَبِ الْحَظِّ لِإِذْنِهِ وَفِي بَقَاءِ الْعَقْدِ وَتَضْمِينِ الْمُفَرِّطِ جَمْعٌ بَيْنَ الْمَصَالِحِ وَكَذَا شَرِيكٌ وَوَصِيٌّ وَنَاظِرُ وَقْفٍ وَبَيْتُ مَالٍ وَنَحْوِهِمْ ‏(‏وَلَا يَضْمَنُ قِنٌّ‏)‏ أَذِنَهُ سَيِّدُهُ فِي بَيْعٍ وَشِرَاءٍ فَبَاعَ مَا نَقَصَ أَوْ اشْتَرَى بِأَزْيَدَ ‏(‏لِسَيِّدِهِ‏)‏ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ مَالَ سَيِّدِهِ ‏(‏وَلَا‏)‏ يَضْمَنُ ‏(‏صَغِيرٌ‏)‏ أَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ فِي التِّجَارَةِ فَبَاعَ بِأَنْقَصَ أَوْ اشْتَرَى بِأَزْيَدَ ‏(‏لِنَفْسِهِ‏)‏ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ مَالَ نَفْسِهِ ‏(‏وَإِنْ زِيدَ‏)‏ فِي ثَمَنِ سِلْعَةٍ يُرِيدُ الْوَكِيلُ أَوْ الْمُضَارِبُ بَيْعَهَا ‏(‏عَلَى ثَمَنِ مِثْلٍ قَبْلَ بَيْعٍ لَمْ يَجُزْ‏)‏ لِوَكِيلٍ وَلَا لِمُضَارِبٍ بَيْعُهَا ‏(‏بِهِ‏)‏ أَيْ ثَمَنِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ طَلَبَ الْأَحَظِّ لِإِذْنِهِ، وَبَيْعُهَا كَذَلِكَ مَعَ مَنْ يَزِيدُ يُنَافِيهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ زِيدَ عَلَى ثَمَنِ مِثْلِهَا بَعْدَ أَنْ بِيعَتْ ‏(‏فِي مُدَّة خِيَارِ مَجْلِسٍ‏)‏ أَوْ شَرْطٍ ‏(‏لَمْ يَلْزَمْ‏)‏ وَكِيلًا وَلَا مُضَارِبًا ‏(‏فَسْخُ‏)‏ بَيْعٍ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ إذَنْ مَنْهِيٌّ عَنْهَا فَلَا يَلْزَمُ الرُّجُوعُ إلَيْهَا وَقَدْ لَا يَثْبُتُ الْمُزَايِدُ عَلَيْهَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ مَنْ قَالَ لِوَكِيلِهِ فِي بَيْعِ نَحْوِ ثَوْبٍ ‏(‏بِعْهُ بِدِرْهَمٍ فَبَاعَ بِهِ‏)‏ أَيْ الدِّرْهَمِ ‏(‏وَبِعَرَضٍ‏)‏ كَفَلَسٍ أَوْ كِتَابٍ صَحَّ ‏(‏أَوْ‏)‏ بَاعَهُ ‏(‏بِدِينَارٍ صَحَّ‏)‏ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى بَاعَ بِالْمَأْذُونِ فِيهِ حَقِيقَةً وَزِيَادَةً تَنْفَعُ الْمُوَكِّلَ وَلَا تَضُرُّهُ وَفِي الثَّانِيَةِ بَاعَ بِمَأْذُونٍ فِيهِ عُرْفًا، فَإِنَّ مَنْ رَضِيَ بِدِرْهَمٍ رَضِيَ مَكَانَهُ بِدِينَارٍ ‏(‏وَكَذَا‏)‏ لَوْ قَالَ لِوَكِيلِهِ‏:‏ بِعْ هَذَا ‏(‏بِأَلْفٍ نَسَاءً فَبَاعَ بِهِ‏)‏ أَيْ الْأَلْفِ ‏(‏حَالًّا‏)‏ فَيَصِحُّ ‏(‏وَلَوْ مَعَ ضَرَرٍ‏)‏ يَلْحَقُ الْمُوَكِّلَ بِحِفْظِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ زَادَهُ خَيْرًا ‏(‏مَا لَمْ يَنْهَهُ‏)‏ عَنْ الْبَيْعِ حَالًّا فَإِنْ نَهَاهُ لَمْ يَصِحَّ لِلْمُخَالَفَةِ وَكُلُّ تَصَرُّفٍ خَالَفَ الْوَكِيلُ مُوَكِّلَهُ فِيهِ فَكَتَصَرُّفِ فُضُولِيٍّ ‏(‏وَ‏)‏ إنْ قَالَ مُوَكِّلٌ لِوَكِيلِهِ فِي بَيْعِ شَيْءٍ ‏(‏بِعْهُ فَبَاعَ بَعْضَهُ بِدُونِ ثَمَنِ كُلِّهِ لَمْ يَصِحَّ‏)‏ الْبَيْعُ لِضَرَرِ الْمُوَكِّلِ بِتَبْعِيضِهِ، وَلَمْ يَأْذَنْ فِيهِ نُطْقًا وَلَا عُرْفًا فَإِنْ بَاعَ بَعْضَهُ بِثَمَنِ كُلِّهِ صَحَّ لِلْإِذْنِ فِيهِ عُرْفًا؛ لِأَنَّ مَنْ رَضِيَ بِالْمِائَةِ مَثَلًا بِثَمَنِ الْكُلِّ رَضِيَهَا عَنْ الْبَعْضِ، وَلِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ الْمِائَةُ وَأَبْقَى لَهُ زِيَادَةً تَنْفَعُهُ وَلَا تَضُرُّهُ وَلَهُ بَيْعُ بَاقِيهِ بِمُقْتَضَى الْإِذْنِ أَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَهُ صَفْقَةً بِزِيَادَةٍ عَلَى الثَّمَنِ ‏(‏مَا لَمْ يَبِعْ‏)‏ الْوَكِيلُ ‏(‏بَاقِيه‏)‏ فَيَصِحُّ لِزَوَالِ الضَّرَرِ بِتَشْقِيصِهِ ‏(‏أَوْ يَكُنْ‏)‏ مَا وُكِّلَ فِي بَيْعِهِ ‏(‏عَبِيدًا أَوْ صُبْرَةً وَنَحْوهَا‏)‏ مِمَّا لَا يَنْقُصُهُ تَفْرِيقٌ ‏(‏فَيَصِحُّ‏)‏ لِاقْتِضَاءِ الْعَرَبِ ذَلِكَ وَعَدَمِ الضَّرَرِ عَلَى الْمُوَكِّلِ فِي الْإِفْرَادِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَقْصَ فِيهِ وَلَا تَشْقِيصَ ‏(‏مَا لَمْ يَقُلْ‏)‏ مُوَكِّلٌ لِوَكِيلِهِ بِعْ هَذَا ‏(‏صَفْقَةً‏)‏ لِدَلَالَةِ تَنْصِيصِهِ عَلَيْهِ عَلَى غَرَضٍ فِيهِ ‏(‏كَشِرَاءٍ‏)‏ فَلَوْ قَالَ اشْتَرِ لِي عَشَرَةَ عَبِيدٍ أَوْ عَشَرَةَ أَرْطَالِ غَزْلٍ أَوْ عَشَرَةَ أَمْدَادِ بُرٍّ صَحَّ شِرَاؤُهَا صَفْقَةً وَشِرَاؤُهَا شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ مَا لَمْ يَقُلْ صَفْقَةً‏.‏

وَإِنْ قَالَ‏:‏ اشْتَرِ لِي عَبْدَيْنِ صَفْقَةً فَاشْتَرَى عَبْدَيْنِ مُشْتَرَكَيْنِ بَيْنَ اثْنَيْنِ مِنْ وَكِيلِهِمَا أَوْ أَحَدِهِمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ جَازَ وَإِنْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَبْدٌ مُفْرَدٌ فَأَوْجَبَا لَهُ الْبَيْعَ فِيهِمَا وَقَبِلَهُ مِنْهُمَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ فَقَالَ الْقَاضِي‏:‏ لَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْوَاحِدِ مَعَ الِاثْنَيْنِ عَقْدَانِ‏.‏

وَفِي الْمُغْنِي‏:‏ يُحْتَمَلُ أَنْ يَلْزَمَهُ؛ لِأَنَّ الْقَبُولَ هُوَ الشِّرَاءُ وَهُوَ مُتَّحِدٌ، وَالْغَرَضُ لَا يَخْتَلِفُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ قَالَ مُوَكِّلٌ لِوَكِيلِهِ ‏(‏بِعْهُ بِأَلْفٍ فِي سُوقِ كَذَا فَبَاعَهُ بِهِ‏)‏ أَيْ الْأَلْفِ ‏(‏فِي‏)‏ سُوقٍ ‏(‏آخَرُ صَحَّ‏)‏ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ بَيْعُهُ بِمَا قَدَّرَهُ لَهُ وَتَنْصِيصُهُ عَلَى أَحَدِ السُّوقَيْنِ مَعَ اسْتِوَائِهِمَا فِي الْغَرَضِ إذْنٌ فِي الْآخَرِ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَوْ اسْتَعَارَ أَرْضًا لِزِرَاعَةِ شَيْءٍ فَإِنَّهُ إذْنٌ فِي زِرَاعَةِ مِثْلِهِ ‏(‏مَا لَمْ يَنْهَهُ‏)‏ الْمُوَكِّلُ عَنْ الْبَيْعِ فِي غَيْرِهِ فَلَا يَصِحُّ لِلْمُخَالَفَةِ ‏(‏أَوْ‏)‏ مَا لَمْ ‏(‏يَكُنْ لَهُ‏)‏ أَيْ الْمُوَكِّلِ ‏(‏فِيهِ‏)‏ أَيْ السُّوقِ الَّذِي عَيَّنَهُ ‏(‏غَرَضٌ صَحِيحٌ‏)‏ مِنْ حِلِّ نَقْدِهِ أَوْ صَلَاحِ أَهْلِهِ أَوْ مَوَدَّةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فَلَا يَصِحُّ فِي غَيْرِهِ لِتَفْوِيتِ غَرَضِهِ عَلَيْهِ ‏(‏وَ‏)‏ إنْ قَالَ لِوَكِيلِهِ فِي شِرَاءِ شَيْءٍ ‏(‏اشْتَرِهِ بِكَذَا‏)‏ أَيْ ثَمَنٍ قَدَّرَهُ لَهُ ‏(‏فَاشْتَرَاهُ‏)‏ الْوَكِيلُ ‏(‏بِهِ‏)‏ أَيْ الثَّمَنِ الْمُقَدَّرِ لَهُ ‏(‏مُؤَجَّلًا‏)‏ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ زَادَهُ خَيْرًا وَلَوْ تَضَرَّرَ مَا لَمْ يَنْهَهُ عَلَى قِيَاسِ مَا سَبَقَ ‏(‏أَوْ‏)‏ قَالَ لَهُ‏:‏ اشْتَرِ لِي ‏(‏شَاةً بِدِينَارٍ فَاشْتَرَى بِهِ شَاتَيْنِ تُسَاوِيهِ‏)‏ أَيْ الدِّينَارَ ‏(‏إحْدَاهُمَا‏)‏ صَحَّ لِحَدِيثِ عُرْوَةَ بْنِ الْجَعْدِ وَلِأَنَّهُ حَصَلَ لِلْمُوَكِّلِ مَا أَذِنَ فِيهِ وَزِيَادَةٌ مِنْ جِنْسِهِ تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ فَإِنْ بَاعَ الْوَكِيلُ إحْدَى الشَّاتَيْنِ وَجَاءَهُ بِالْأُخْرَى وَهِيَ تُسَاوِي دِينَارًا جَازَ نَصًّا لِلْخَبَرِ وَلِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَزِيَادَةٍ‏.‏

‏(‏أَوْ‏)‏ قَالَ لَهُ‏:‏ اشْتَرِ شَاةً بِدِينَارٍ فَاشْتَرَى ‏(‏شَاةً تُسَاوِيهِ بِأَقَلَّ‏)‏ مِنْ دِينَارٍ ‏(‏صَحَّ‏)‏؛ لِأَنَّ مَنْ رَضِيَ شَاةً بِدِينَارٍ رَضِيَ بِهِ بِأَقَلَّ مِنْهُ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ تَكُنْ إحْدَى الشَّاتَيْنِ تُسَاوِيهِ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ الشَّاةُ فِي الثَّلَاثَةِ ‏(‏فَلَا‏)‏ يَصِحُّ الشِّرَاءُ لِلْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلُ لَهُ الْمَقْصُودُ فَلَمْ يَقَعْ الْبَيْعُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ لَفْظًا وَلَا عُرْفًا ‏(‏وَ‏)‏ إنْ قَالَ لِوَكِيلِهِ ‏(‏اشْتَرِ عَبْدًا لَمْ يَصِحَّ شِرَاءُ اثْنَيْنِ مَعًا‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْهُ فِي ذَلِكَ لَفْظًا وَلَا عُرْفًا وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا يُسَاوِي مَا عَيَّنَهُ مِنْ الثَّمَنِ فَلَوْ اشْتَرَاهُمَا وَاحِدًا بَعْدَ آخَرَ صَحَّ شِرَاءُ الْأَوَّلِ ‏(‏وَيَصِحُّ شِرَاءُ وَاحِدٍ مِمَّنْ‏)‏ أَيْ مِنْ عَبْدَيْنِ ‏(‏أُمِرَ بِشِرَائِهِمَا‏)‏ إذَا لَمْ يَقُلْ صَفْقَةً عَلَى قِيَاسِ مَا سَبَقَ ‏(‏وَلَيْسَ لَهُ‏)‏ أَيْ الْوَكِيلِ ‏(‏شِرَاءُ مَعِيبٍ‏)‏ مَعَ الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ؛ وَلِذَلِكَ جَازَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ وَإِذَا عَلِمَ‏)‏ بِعَيْبِهِ قَبْلَ شِرَائِهِ ‏(‏لَزِمَهُ‏)‏ أَيْ الشِّرَاءَ لِدُخُولِهِ فِي الْعَقْدِ عَلَى الْعَيْبِ ‏(‏مَا لَمْ يَرْضَهُ مُوَكِّلُهُ‏)‏ بِعَيْبِهِ فَإِنْ رَضِيَهُ فَلَهُ؛ لِأَنَّهُ نَوَى الْعَقْدَ لَهُ ‏(‏وَإِنْ جَهِلَ‏)‏ وَكِيلٌ عَيْبَهُ حَالَ عَقْدٍ صَحَّ وَكَانَ كَشِرَاءِ مُوَكِّلٍ بِنَفْسِهِ لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ رَضِيَهُ مُوَكِّلٌ مَعِيبًا فَلَيْسَ لِوَكِيلٍ رَدُّهُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْمُوَكِّلِ وَإِنْ سَخِطَهُ أَوْ كَانَ غَائِبًا ‏(‏فَلَهُ‏)‏ أَيْ الْوَكِيلِ ‏(‏رَدُّهُ‏)‏ عَلَى بَائِعِهِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ مُوَكِّلِهِ، وَكَذَا خِيَارُ غَبْنٍ أَوْ تَدْلِيسٍ‏.‏

وَإِذَا ادَّعَى بَائِعٌ رِضَا مُوَكِّلِهِ‏)‏ بِالْعَيْبِ ‏(‏وَهُوَ‏)‏ أَيْ الْمُوَكِّلُ ‏(‏غَائِبٌ حَلَفَ‏)‏ وَكِيلٌ ‏(‏أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ‏)‏ رِضَا مُوَكِّلِهِ ‏(‏و رَدَّهُ‏)‏ لِلْعَيْبِ ‏(‏ثُمَّ إنْ حَضَرَ‏)‏ مُوَكِّلٌ ‏(‏فَصَدَّقَ بَائِعًا‏)‏ عَلَى رِضَاهُ بِعَيْبِهِ أَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ ‏(‏لَمْ يَصِحَّ الرَّدُّ‏)‏ لِانْعِزَالِ الْوَكِيلِ مِنْ الرَّدِّ بِرِضَا مُوَكِّلِهِ بِالْعَيْبِ ‏(‏وَهُوَ‏)‏ أَيْ الْمَعِيبُ ‏(‏بَاقٍ لِمُوَكِّلٍ‏)‏ فَلَهُ اسْتِرْجَاعُهُ وَلَوْ كَانَتْ دَعْوَى الرِّضَا مِنْ قِبَلِهِ‏.‏

وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ بَائِعٌ رِضَا مُوَكِّلٍ وَقَالَ لَهُ تَوَقَّفْ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُوَكِّلُ فَرُبَّمَا رَضِيَ بِالْعَيْبِ لَمْ يَلْزَمْ الْوَكِيلَ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ هَرَبِ الْبَائِعِ أَوْ فَوَاتِ الثَّمَنِ بِتَلَفِهِ وَإِنْ طَاوَعَهُ لَمْ يَسْقُطْ رَدُّ مُوَكِّلٍ ‏(‏وَإِنْ أَسْقَطَ وَكِيلٌ‏)‏ اشْتَرَى مَعِيبًا ‏(‏خِيَارَهُ وَلَمْ يَرْضَ مُوَكِّلُهُ‏)‏ بِالْعَيْبِ ‏(‏فَلَهُ رَدُّهُ‏)‏ لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِهِ ‏(‏وَإِنْ أَنْكَرَ بَائِعٌ أَنَّ الشِّرَاءَ وَقَعَ لِمُوَكِّلٍ‏)‏ وَلَا بَيِّنَةَ ‏(‏حَلَفَ‏)‏ بَائِعٌ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الشِّرَاءَ وَقَعَ لَهُ ‏(‏وَلَزِمَ‏)‏ الْبَيْعُ ‏(‏الْوَكِيلَ‏)‏ لِرِضَاهُ بِالْعَيْبِ وَالظَّاهِرُ صُدُورُ الْعَقْدِ لِمَنْ بَاشَرَهُ فَيَغْرَمُ الثَّمَنَ وَإِنْ صَدَّقَ بَائِعٌ أَنَّ الشِّرَاءَ لِمُوَكِّلِهِ أَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ الرَّدُّ وَإِنْ وَجَدَ مِنْ الْوَكِيلِ مَا يُسْقِطُهُ ‏(‏وَلَا يَرُدُّ‏)‏ وَكِيلٌ ‏(‏مَا عَيَّنَهُ لَهُ مُوَكِّلٌ‏)‏ كَ اشْتَرِ هَذَا الْعَبْدَ أَوْ الثَّوْبَ فَاشْتَرَاهُ ‏(‏بِعَيْبٍ وَجَدَهُ‏)‏ فِيهِ ‏(‏قَبْلَ إعْلَامِهِ‏)‏ أَيْ الْمُوَكِّلِ لِقَطْعِهِ نَظَرَ وَكِيلِهِ بِتَعْيِينِهِ فَرُبَّمَا رَضِيَهُ عَلَى جَمِيع أَحْوَالِهِ فَإِنْ عَلِمَ الْوَكِيلُ عَيْبَ مَا عُيِّنَ لَهُ قَبْلَ شِرَائِهِ فَلَهُ شِرَاؤُهُ لِمَا تَقَدَّمَ ‏(‏وَ‏)‏ إنْ قَالَ لِوَكِيلِهِ ‏(‏اشْتَرِ‏)‏ لِي كَذَا ‏(‏بِعَيْنِ هَذَا‏)‏ الدِّينَارِ مَثَلًا ‏(‏فَاشْتَرَى‏)‏ لَهُ ‏(‏فِي ذِمَّتِهِ‏)‏ ثُمَّ نَقَدَهُ مَا عَيَّنَ لَهُ أَوْ غَيْرَهُ ‏(‏لَمْ يَلْزَمْ‏)‏ الشِّرَاءُ ‏(‏مُوَكِّلًا‏)‏ لِمُخَالَفَةِ الْمُوَكِّلِ فِيمَا لَهُ فِيهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ الْمُعَيَّنَ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِتَلَفِهِ أَوْ كَوْنِهِ مَغْصُوبًا وَلَا يَلْزَمُهُ ثَمَنٌ فِي ذِمَّتِهِ وَحِينَئِذٍ يَقَعُ الشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ وَهَلْ يُوقَفُ عَلَى إجَازَةِ الْمُوَكِّلِ‏؟‏ فِيهِ رِوَايَتَانِ قَالَهُ فِي الْمُغْنِي ‏(‏وَعَكْسُهُ‏)‏ كَأَنْ يَقُولَ‏:‏ اشْتَرِ فِي ذِمَّتِكَ وَانْقُدْ هَذَا ثَمَنًا عَنْهُ فَاشْتَرَى بِعَيْنِهِ ‏(‏يَصِحُّ‏)‏ الشِّرَاءُ لِمُوَكِّلِ ‏(‏وَيَلْزَمُهُ‏)‏ لِإِذْنِهِ فِي عَقْدٍ يَلْزَمُ بِهِ الثَّمَنُ مَعَ بَقَائِهِ وَتَلَفِهِ، فَيَكُونُ إذْنًا فِي عَقْدٍ لَا يَلْزَمُهُ الثَّمَنُ فِيهِ إلَّا مَعَ بَقَائِهِ ‏(‏وَإِنْ أَطْلَقَ‏)‏ الْمُوَكِّلُ فَقَالَ اشْتَرِ لِي كَذَا بِكَذَا وَلَمْ يَقُلْ بِعَيْنِهِ وَلَا فِي الذِّمَّةِ ‏(‏جَازَا‏)‏ أَيْ الشِّرَاءُ بِالْعَيْنِ وَفِي الذِّمَّةِ لِتَنَاوُلِ الْإِطْلَاقِ لَهُمَا ‏(‏وَ‏)‏ إنْ قَالَ لِوَكِيلِهِ ‏(‏بِعْهُ لِزَيْدٍ فَبَاعَهُ‏)‏ الْوَكِيلُ ‏(‏لِغَيْرِهِ‏)‏ أَيْ غَيْرِ زَيْدٍ ‏(‏لَمْ يَصِحَّ‏)‏ الْبَيْعُ سَوَاءٌ قَدَّرَ لَهُ الثَّمَنَ أَوْ لَمْ يُقَدِّرْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ غَرَضُهُ فِي تَمْلِيكِهِ لِزَيْدٍ دُونَ غَيْرِهِ إلَّا إنْ عَلِمَ الْوَكِيلُ، وَلَوْ بِقَرِينَةٍ أَنَّهُ لَا غَرَضَ لَهُ فِي عَيْنِ زَيْدٍ ذَكَرَهُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ ‏(‏وَمَنْ وُكِّلَ‏)‏ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ‏(‏فِي بَيْعِ شَيْءٍ مَلَكَ تَسْلِيمَهُ‏)‏ أَيْ الْمَبِيعِ لِمُشْتَرِيهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الْبَيْعِ و‏(‏لَا‏)‏ يَمْلِكُ الْوَكِيلُ ‏(‏قَبْضَ ثَمَنِهِ‏)‏ أَيْ الْمَبِيعِ ‏(‏مُطْلَقًا‏)‏ أَيْ سَوَاءٌ دَلَّتْ عَلَيْهِ قَرِينَةٌ كَأَمْرِهِ بِبَيْعِهِ فِي مَحَلٍّ لَيْسَ فِيهِ الْمُوَكِّلُ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُوَكِّلُ فِي الْبَيْعِ مَنْ لَا يَأْمَنُهُ عَلَى قَبْضِ الثَّمَنِ وَكَذَا الْوَكِيلُ فِي النِّكَاحِ لَا يَمْلِكُ قَبْضَ الْمَهْرِ وَفِيهِ وَجْهٌ يَمْلِكُ مُطْلَقًا، وَوَجْهٌ يَمْلِكُهُ مَعَ الْقَرِينَةِ وَاخْتَارَهُ الْمُوَفَّقُ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَصَوَّبَهُ فِي الْإِنْصَافِ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ لَكِنْ قَالَ عَنْ الْأَوَّلِ فِي الْإِنْصَافِ إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالتَّنْقِيحِ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ‏.‏

‏(‏فَإِنْ تَعَذَّرَ‏)‏ قَبْضُ الثَّمَنِ عَلَى مُوَكِّلٍ ‏(‏لَمْ يَلْزَمْهُ‏)‏ أَيْ الْوَكِيلُ كَظُهُورِ الْمَبِيعِ مُسْتَحَقًّا أَوْ مَعِيبًا و‏(‏كَحَاكِمٍ وَأَمِينِهِ‏)‏ يَبِيعَانِ شَيْئًا لِغَائِبٍ أَوْ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ وَيَتَعَذَّرُ قَبْضُ ثَمَنِهِ لِهَرَبِ مُشْتَرٍ وَنَحْوِهِ‏.‏

قَالَ ‏(‏الْمُنَقِّحُ مَا لَمْ يُفْضِ‏)‏ تَرْكُ قَبْضِ ثَمَنِ مَبِيعٍ ‏(‏إلَى رِبًا فَإِنْ أَفْضَى‏)‏ إلَى رِبَا النَّسِيئَةِ كَأَمْرِهِ بِبَيْعِ قَفِيزِ بُرٍّ بِمِثْلِهِ أَوْ بِشَعِيرٍ فَبَاعَهُ بِهِ ‏(‏وَلَمْ يَحْضُرْ مُوَكِّلُهُ‏)‏ الْمَجْلِسَ ‏(‏مَلَكَ‏)‏ الْوَكِيلُ ‏(‏قَبْضَهُ‏)‏ لِلْإِذْنِ فِيهِ شَرْعًا وَعُرْفًا إذْ لَا يَتِمُّ الْبَيْعُ إلَّا بِهِ ‏(‏وَكَذَا الشِّرَاءُ‏)‏ فَالْوَكِيلُ فِيهِ يَمْلِكُ تَسْلِيمَ الثَّمَنِ وَلَا يَمْلِكُ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ إلَّا بِإِذْنٍ صَرِيحٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ‏(‏وَإِنْ أَخَّرَ‏)‏ وَكِيلٌ فِي شِرَاءِ شَيْءٍ ‏(‏تَسْلِيمَ ثَمَنِهِ بِلَا عُذْرٍ‏)‏ فِي تَأْخِيرِهِ فَتَلِفَ ‏(‏ضَمِنَهُ‏)‏ لِتَفْرِيطِهِ فَإِنْ كَانَ عُذْرٌ نَحْوُ امْتِنَاعِ بَائِعٍ مِنْ قَبْضِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ نَصًّا ‏(‏وَلَيْسَ لِوَكِيلٍ فِي بَيْعٍ تَقْلِيبُهُ‏)‏ أَيْ الْمَبِيعِ ‏(‏عَلَى مُشْتَرٍ إلَّا بِحَضْرَةِ مُوَكِّلٍ‏)‏؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي الْبَيْعِ لَا يَتَنَاوَلُهُ فَإِنْ حَضَرَ الْمُوَكِّلُ جَازَ لِدَلَالَةِ الْحَالِ عَلَى رِضَاهُ بِهِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ دَفَعَهُ إلَيْهِ لِيُقَلِّبهُ بِحَيْثُ يَغِيبُ بِهِ عَنْ الْوَكِيلِ كَأَخْذِهِ لِيُرِيَهُ أَهْلَهُ ‏(‏ضَمِنَ‏)‏ الْوَكِيلُ لِتَعَدِّيهِ قَالَهُ فِي النَّوَادِرِ‏.‏

وَفِي الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ الْعُرْفُ ‏(‏وَلَا‏)‏ لِوَكِيلٍ فِي بَيْعِ شَيْءٍ ‏(‏بَيْعُهُ بِبَلَدٍ آخَرَ‏)‏ لِعَدَمِ تَعَارُفِهِ فَلَا يَقْضِيهِ الْإِطْلَاقُ ‏(‏فَيَضْمَنُ‏)‏ تَلَفَهُ قَبْلَ بَيْعِهِ لِتَعَدِّيهِ ‏(‏وَيَصِحُّ‏)‏ بَيْعُهُ لَهُ بِبَلَدٍ آخَرَ لِمَا تَقَدَّمَ أَوْ الْوَكَالَةُ لَا تَبْطُلُ بِتَعَدِّيهِ ‏(‏وَمَعَ مُؤْنَةِ نَقْلٍ‏)‏ لِمَبِيعٍ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ فِيهِ دَلَالَةً عَلَى رُجُوعِهِ عَنْ التَّوْكِيلِ؛ لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يَفْعَلُهُ بِغَيْرِ إذْنٍ صَرِيحٍ إلَّا مُتَصَرِّفٌ لِنَفْسِهِ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ بَحْثًا ‏(‏وَمَنْ أُمِرَ بِدَفْعِ شَيْءٍ‏)‏ كَثَوْبٍ أَمَرَهُ مَالِكُهُ بِدَفْعِهِ ‏(‏إلَى‏)‏ نَحْوِ قَصَّارٍ أَوْ صَبَّاغٍ ‏(‏مُعَيَّنٍ لِيَصْنَعَهُ فَدَفَعَ‏)‏ الْمَأْمُورُ الشَّيْءَ إلَى مَنْ أُمِرَ بِدَفْعِهِ لَهُ ‏(‏وَنَسِيَهُ‏)‏ فَضَاعَ ‏(‏لَمْ يَضْمَنْهُ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ، وَلَمْ يُفَرِّطْ بَلْ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ ‏(‏وَإِنْ أَطْلَقَ مَالِكٌ‏)‏ بِأَنَّ قَالَ مَثَلًا‏:‏ ادْفَعْهُ إلَى مَنْ يُقَصِّرُهُ أَوْ يَصْبُغُهُ ‏(‏فَدَفَعَهُ‏)‏ الْوَكِيلُ ‏(‏إلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ عَيْنَهُ‏)‏ كَمَا لَوْ نَاوَلَهُ مِنْ وَرَاءِ سِتْرٍ ‏(‏وَلَا اسْمَهُ وَلَا دُكَّانَهُ‏)‏ بِأَنْ دَفَعَهُ بِغَيْرِ دُكَّانٍ، وَلَمْ يَسْأَلْ عَنْهُ وَلَا عَنْ اسْمِهِ فَضَاعَ ‏(‏ضَمِنَ‏)‏ لِتَفْرِيطِهِ وَأَطْلَقَ أَبُو الْخَطَّابِ إذَا دَفَعَهُ إلَيْهِ لَمْ يَضْمَنْ إذَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ ‏(‏وَمَنْ وُكِّلَ‏)‏ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ‏(‏فِي قَبْضِ دِرْهَمٍ‏)‏ فَأَكْثَرَ ‏(‏أَوْ‏)‏ قَبْضِ ‏(‏دِينَارٍ‏)‏ فَأَكْثَرَ مِمَّنْ عَلَيْهِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرُ ‏(‏لَمْ يُصَارَفْ‏)‏ الْمَدِينُ بِأَنْ يَقْبِضَ عَنْ الدَّنَانِيرِ دَرَاهِمَ، أَوْ عَنْ الدَّرَاهِمِ دَنَانِيرَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِمُصَارَفَتِهِ، وَيَكُونُ مِنْ ضَمَانِ الْبَاعِثِ إنْ تَلِفَ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ إلَى الرَّسُولِ غَيْرَ مَا أُمِرَ بِهِ فَهُوَ وَكِيلٌ لِلْبَاعِثِ فِي تَأْدِيَتِهِ إلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ إلَّا إنْ أَخْبَرَ الرَّسُولُ الْمَدِينَ أَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ أَذِنَهُ فِي ذَلِكَ فَيَكُونُ مِنْ ضَمَانِ الرَّسُولِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ ‏(‏وَإِنْ أَخَذَ‏)‏ وَكِيلٌ فِي قَبْضِ دَيْنٍ ‏(‏رَهْنًا أَسَاءَ‏)‏ بِأَخْذِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ ‏(‏وَلَمْ يَضْمَنْهُ‏)‏ أَيْ الرَّهْنَ وَكِيلٌ؛ لِأَنَّهُ رَهْنٌ فَاسِدٌ، وَفَاسِدُ الْعُقُودِ كَصَحِيحِهَا فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ ‏(‏وَمَنْ وَكَّلَ‏)‏ غَيْرَهُ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ الْوَكِيلُ ‏(‏مُودَعًا فِي قَضَاءِ دَيْنٍ فَقَضَاهُ وَلَمْ يَشْهَدْ‏)‏ الْوَكِيلُ بِالْقَضَاءِ ‏(‏وَأَنْكَرَ غَرِيمٌ‏)‏ أَيْ رَبُّ دَيْنٍ الْقَضَاءَ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ وَكِيلٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتَمِنْهُ وَكَمَا لَوْ ادَّعَاهُ الْمُوَكِّلُ و‏(‏ضَمِنَ‏)‏ وَكِيلٌ لِمُوَكِّلِهِ مَا أَنْكَرَهُ رَبُّ الدَّيْنِ لِتَفْرِيطِهِ بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ وَلِهَذَا إنَّمَا يَضْمَنُ ‏(‏مَا لَيْسَ بِحَضْرَةِ مُوَكِّلٍ‏)‏‏.‏

فَإِنْ حَضَرَ مَعَ تَرْكِ الْإِشْهَادِ فَقَدْ رَضِيَ بِفِعْلِ وَكِيلِهِ كَقَوْلِهِ‏:‏ اقْضِهِ وَلَا تَشْهَدْ بِخِلَافِ حَالِ غَيْبَتِهِ لَا يُقَالُ هُوَ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِشْهَادِ فَلَا يَكُونُ مُفَرِّطًا بِتَرْكِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَذِنَهُ فِي قَضَاءٍ مُبْرِئٍ وَلَمْ يَفْعَلْ وَلِهَذَا يَضْمَنُ وَلَوْ صَدَّقَهُ مُوَكِّلٌ وَكَذَّبَ رَبَّ الدَّيْنِ ‏(‏بِخِلَافِ‏)‏ تَوْكِيلٍ فِي ‏(‏إيدَاعٍ‏)‏ فَلَا يَضْمَنُ وَكِيلٌ لَمْ يَشْهَدْ عَلَى الْوَدِيعِ إذَا أَنْكَرَ لِقَبُولِ قَوْلِهِ فِي الرَّدِّ وَالتَّلَفِ فَلَا فَائِدَةَ لِلْمُوَكِّلِ فِي الِاسْتِيثَاقِ عَلَيْهِ فَإِنْ أَنْكَرَ الْوَدِيعُ دَفْعَ الْوَكِيلِ الْوَدِيعَةَ إلَيْهِ فَقَوْلُ وَكِيلٍ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي تَصَرُّفِهِ وَفِيمَا وُكِّلَ فِيهِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيهِ ‏(‏وَإِنْ قَالَ‏)‏ وَكِيلٌ فِي قَضَاءِ دَيْنٍ ‏(‏أَشْهَدْتُ‏)‏ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ بِالْقَضَاءِ شُهُودًا ‏(‏فَمَاتُوا‏)‏ وَأَنْكَرَهُ مُوَكِّلٌ ‏(‏أَوْ‏)‏ قَالَ لَهُ ‏(‏أَذِنْتَ لِي فِيهِ‏)‏ أَيْ الْقَضَاءِ بِلَا مُوَكِّلٌ ‏(‏أَوْ‏)‏ قَالَ‏:‏ لَهُ ‏(‏قَضَيْت بِحَضْرَتِكَ‏)‏ فَقَالَ‏:‏ بَلْ بِغَيْبَتِي ‏(‏حَلَفَ مُوَكِّلٌ‏)‏؛ لِاحْتِمَالِ صِدْقِ الْوَكِيلِ وَقَضَى لَهُ بِالضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ‏.‏

‏(‏وَمَنْ وُكِّلَ‏)‏ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ‏(‏فِي قَبْضِ‏)‏ دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ ‏(‏كَانَ وَكِيلًا فِي خُصُومَةٍ‏)‏ سَوَاءٌ عَلِمَ رَبُّ الْحَقِّ بِبَذْلِ الْغَرِيمِ مَا عَلَيْهِ أَوْ جَحْدِهِ أَوْ مَطْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْقَبْضِ إلَّا بِالْإِثْبَاتِ فَالْإِذْنُ فِيهِ إذْنٌ فِيهِ عُرْفًا قُلْتُ‏:‏ وَمِثْلُهُ مَنْ وُكِّلَ فِي قَسْمِ شَيْءٍ أَوْ بَيْعِهِ أَوْ طَلَبِ شُفْعَةٍ فَيَمْلِكُ بِذَلِكَ تَثْبِيتَ مَا وُكِّلَ فِيهِ؛؛ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ لِلتَّوَصُّلِ إلَيْهِ وَأَطْلَقَ فِيهِ فِي الْمُغْنِي رِوَايَتَيْنِ ‏(‏لَا عَكْسِهِ‏)‏ فَالْوَكِيلُ فِي الْخُصُومَةِ لَا يَكُونُ وَكِيلًا فِي الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِيهِ لَمْ يَتَنَاوَلْ نُطْقًا وَلَا عُرْفًا وَقَدْ يَرْضَى لِلْخُصُومَةِ مَنْ لَا يَرْضَاهُ لِلْقَبْضِ وَلَيْسَ لِوَكِيلٍ فِي خُصُومَةٍ إقْرَارٌ عَلَى مُوَكِّلِهِ مُطْلَقًا نَصًّا كَإِقْرَارِهِ عَلَيْهِ بِقَوَدٍ وَقَذْفٍ وَكَالْوَلِيِّ‏.‏

‏(‏وَيُحْتَمَلُ فِي‏)‏ قَوْلِ إنْسَانٍ لِآخَرَ ‏(‏أَجِبْ خَصْمِي عَنِّي كَخُصُومَةٍ‏)‏ أَيْ‏:‏ أَنْ يَكُونَ كَتَوْكِيلِهِ فِي خُصُومَةٍ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُحْتَمَلُ ‏(‏بُطْلَانُهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْوَكَالَةِ بِهَذَا اللَّفْظِ قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ‏:‏ الصَّوَابُ الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْقَرَائِنِ، فَإِنْ دَلَّتْ عَلَى شَيْءٍ كَانَ، وَإِلَّا فَهِيَ إلَى الْخُصُومَةِ أَقْرَبُ انْتَهَى‏.‏

وَلَا تَصِحُّ مِمَّنْ عَلِمَ ظُلْمَ مُوَكِّلِهِ فِي الْخُصُومَةِ قَالَ فِي الْفُنُونِ وَفِي كَلَامِ الْقَاضِي‏:‏ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُخَاصِمَ عَنْ غَيْرِهِ فِي إثْبَاتِ حَقٍّ أَوْ نَفْيِهِ، وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِحَقِيقَةِ أَمْرِهِ، وَمَعْنَاهُ فِي الْمُغْنِي فِي الصُّلْحِ عَنْ الْمُنْكِرِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ قَالَ لِوَكِيلِهِ ‏(‏اقْبِضْ حَقِّي الْيَوْمَ‏)‏ أَوْ يَوْمَ كَذَا وَنَحْوِهِ ‏(‏لَمْ يَمْلِكْهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ فِعْلَ مَا وُكِّلَ فِيهِ الْيَوْمَ ‏(‏غَدًا‏)‏؛ لِأَنَّ إذْنَهُ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يُؤْثِرُ التَّصَرُّفَ فِي زَمَنِ الْحَاجَةِ دُونَ غَيْرِهِ، وَقَضَاءُ الْعِبَادَاتِ؛ لِاشْتِغَالِ الذِّمَّةِ بِهَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ قَالَ لِوَكِيلِهِ‏:‏ اقْبِضْ حَقِّي ‏(‏مِنْ فُلَانٍ مَلَكَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ قَبَضَ حَقَّهُ مِنْ فُلَانٍ و‏(‏مِنْ وَكِيلِهِ‏)‏ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ فَيَجْرِي مَجْرَى إقْبَاضِهِ و‏(‏لَا‏)‏ يَمْلِكُ قَبْضَهُ ‏(‏مِنْ وَارِثِهِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ وَلَا يَقْتَضِيهِ الْعُرْفُ وَالطَّلَبُ عَلَى الْوَارِثِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا حَنِثَ بِفِعْلِ وَكِيلِهِ ‏(‏وَإِنْ قَالَ‏)‏ لَهُ اقْبِضْ حَقِّي ‏(‏الَّذِي قِبَلَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ فُلَانٍ أَوْ الَّذِي عَلَيْهِ ‏(‏مَلَكَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ قَبْضَهُ مِنْهُ وَمِنْ وَكِيلِهِ و‏(‏مِنْ وَارِثِهِ‏)‏؛ لِاقْتِضَاءِ الْوَكَالَةِ قَبْضَهُ مُطْلَقًا فَشَمَلَ الْقَبْضَ مِنْ وَارِثِهِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ وَالْوَكِيلُ أَمِينٌ لَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِيَدِهِ بِلَا تَفْرِيطٍ

لِأَنَّهُ نَائِبُ الْمَالِكِ فِي الْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ، فَالْهَلَاكُ فِي يَدِهِ كَالْهَلَاكِ فِي يَدِ الْمَالِكِ كَالْمُودَعِ وَالْوَصِيِّ وَنَحْوِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ مُتَبَرِّعًا أَوْ بِجُعْلٍ فَإِنْ فَرَّطَ أَوْ تَعَدَّى ضَمِنَ ‏(‏وَيُصَدَّقُ‏)‏ وَكِيلٌ ‏(‏بِيَمِينِهِ فِي‏)‏ دَعْوَى ‏(‏تَلَفِ‏)‏ عَيْنٍ أَوْ ثَمَنِهَا إذَا قَبَضَهُ، وَقَالَ مُوَكِّلُهُ‏:‏ لَمْ يَتْلَفْ كَالْوَدِيعِ ‏(‏وَ‏)‏ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي ‏(‏نَفْيِ تَفْرِيطٍ‏)‏ ادَّعَاهُ مُوَكِّلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَلَا يُكَلَّفُ بَيِّنَةً؛ لِأَنَّهُ مِمَّا تَتَعَذَّرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ وَلِئَلَّا يَمْتَنِعَ النَّاسُ مِنْ الدُّخُولِ فِي الْأَمَانَاتِ مَعَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا‏.‏

‏(‏وَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ‏)‏ أَيْ الْوَكِيلِ عَلَى مُوَكِّلِهِ ‏(‏فِي كُلِّ مَا وُكِّلَ فِيهِ‏)‏ مِنْ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ وَصَرْفٍ وَغَيْرِهَا ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ الْمُوَكِّلُ فِيهِ ‏(‏نِكَاحًا‏)‏؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فَقُبِلَ قَوْلُهُ فِيهِ كَوَلِيِّ الْمُجْبَرَةِ فَيُقْبَلُ قَوْلُ وَكِيلٍ إنَّهُ قَبَضَ الثَّمَنَ مِنْ مُشْتَرٍ وَتَلِفَ بِيَدِهِ وَفِي قَدْرِ ثَمَنٍ وَنَحْوه لَكِنْ لَا يُصَدَّقُ فِيمَا لَا يُشْبِهُ مِنْ قَلِيلِ ثَمَنٍ ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَ بِهِ أَوْ كَثِيرَهُ إنَّ اشْتَرَى ذَكَرَهُ الْمَجْدُ وَإِذَا وَكَّلَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي وَعَقَدَ الْوَكِيلَانِ وَاتَّفَقَا عَلَى الثَّمَنِ وَاخْتَلَفَ الْمُوَكِّلَانِ فِيهِ فَقَالَ الْقَاضِي‏:‏ يَتَحَالَفَانِ أَيْ‏:‏ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي وَصَحَّحَ الْمَجْدُ لَا تَحَالُفَ وَأَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَكِيلَيْنِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ اخْتَلَفَا‏)‏ أَيْ الْوَكِيلُ وَالْمُوَكِّلُ ‏(‏فِي رَدِّ عَيْنٍ أَوْ‏)‏ فِي رَدِّ ‏(‏ثَمَنِهَا‏)‏ بَعْدَ بَيْعِهَا ‏(‏فَ‏)‏ الْقَوْلُ ‏(‏قَوْلُ وَكِيلٍ‏)‏ مُتَبَرِّعٍ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ الْعَيْنَ لِنَفْعِ مَالِكِهَا لَا غَيْرَ كَالْمُودِعِ ‏(‏لَا‏)‏ وَكِيلٍ ‏(‏بِجُعْلٍ‏)‏ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ؛ لِأَنَّ فِي قَبْضِهِ نَفْعًا لِنَفْسِهِ أَشْبَهَ الْمُسْتَعِيرَ وَإِنْ طُلِبَ ثَمَنٌ مِنْ وَكِيلٍ فَقَالَ لَمْ أَقْبِضْهُ بَعْدُ فَأَقَامَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً عَلَيْهِ بِقَبْضِهِ أُلْزِمَ بِهِ الْوَكِيلُ وَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي رَدٍّ وَلَا تَلَفٍ؛ لِأَنَّهُ صَارَ خَائِنًا بِجَحْدِهِ قَالَهُ الْمَجْدُ‏.‏

‏(‏وَلَا‏)‏ يُقْبَلُ قَوْلُ وَكِيلٍ فِي رَدٍّ ‏(‏إلَى وَرَثَةِ مُوَكِّلٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَأْتَمِنُوهُ ‏(‏أَوْ‏)‏ رَدٍّ ‏(‏إلَى غَيْرِ مَنْ ائْتَمَنَهُ وَلَوْ بِإِذْنِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُوَكِّلِ كَأَنْ أَذِنَهُ فِي دَفْعِ دِينَارٍ لِزَيْدٍ قَرْضًا فَقَالَ الْوَكِيلُ‏:‏ دَفَعْتُهُ فَأَنْكَرَهُ زَيْدٌ، فَإِنْ لَمْ يُقِمْ الْوَكِيلُ بَيِّنَةً ضَمِنَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ‏:‏ وَإِطْلَاقُهُمْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي صَرْفِهِ فِي وُجُوهٍ عُيِّنَتْ لَهُ مِنْ أُجْرَتِهِ لَزِمَتْهُ وَذَكَرَهُ الْآدَمِيُّ الْبَغْدَادِيُّ انْتَهَى‏.‏

وَصَحَّحَ فِي الْقَوَاعِدِ قَبُولَ قَوْلِ وَكِيلٍ وَقَالَ‏:‏ نَصَّ عَلَيْهِ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ‏.‏

‏(‏وَلَا‏)‏ يُقْبَلُ قَوْلُ ‏(‏وَرَثَةِ وَكِيلٍ فِي دَفْعٍ لِمُوَكِّلٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتَمِنْهُمْ ‏(‏وَلَا‏)‏ يُقْبَلُ قَوْلُ ‏(‏أَجِيرٍ مُشْتَرَكٍ‏)‏ كَصَبَّاغٍ وَصَائِغٍ وَخَيَّاطٍ فِي رَدِّ الْعَيْنِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُ أَجِيرٍ خَاصٍّ وَأَطْلَقَ فِي الْإِقْنَاعِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ أَجِيرٍ فِي الرَّدِّ ‏(‏وَ‏)‏ لَا قَوْلُ ‏(‏مُسْتَأْجِرِ‏)‏ نَحْوُ دَابَّةٍ فِي رَدِّهَا ولَا مُضَارِبٍ وَمُرْتَهِنٍ وَكُلُّ مَنْ قَبَضَ الْعَيْنَ لِنَفْعِ نَفْسِهِ كَالْمُسْتَعِيرِ‏.‏

‏(‏وَدَعْوَى الْكُلِّ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْوَكِيلِ وَالْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ أَوْ بِرَدٍّ ‏(‏تَلَفًا بِحَادِثٍ ظَاهِرٍ‏)‏ كَحَرِيقٍ وَنَهْبٍ وَنَحْوِهِمَا ‏(‏لَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِالْحَادِثِ‏)‏ الظَّاهِرِ؛ لِعَدَمِ خَفَائِهِ فَلَا تَتَعَذَّرُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ ‏(‏وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ مُدَّعِي التَّلَفِ بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ ‏(‏فِيهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ فِي أَنَّ الْعَيْنَ تَلِفَتْ بِهِ بِيَمِينِهِ لِتَعَذُّرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى تَلَفِهَا بِهِ كَمَا لَوْ تَلِفَتْ بِسَبَبٍ خَفِيٍّ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ قَالَ وَكِيلٌ لِمُوَكِّلِهِ ‏(‏أَذِنْتَ لِي فِي الْبَيْعِ نَسَاءً‏)‏ وَأَنْكَرَهُ فَقَوْلُ وَكِيلٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ قَالَ وَكِيلٌ أَذِنْتَ لِي فِي الْبَيْعِ ‏(‏بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ‏)‏ أَوْ بِعَرَضٍ وَأَنْكَرَهُ مُوَكِّلٌ فَقَوْلُ وَكِيلٍ ‏(‏أَوْ اخْتَلَفَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْوَكِيلُ وَالْمُوَكِّلُ ‏(‏فِي صِفَةِ الْإِذْنِ‏)‏ بِأَنْ قَالَ‏:‏ وَكَّلْتَنِي فِي شِرَائِهِ بِعَشَرَةٍ فَقَالَ الْمُوَكِّلُ‏:‏ بَلْ بِخَمْسَةٍ أَوْ وَكَّلْتَنِي فِي شِرَاءِ عَبْدٍ قَالَ‏:‏ بَلْ أَمَةٍ أَوْ أَنْ أَبِيعَهُ مِنْ زَيْدٍ قَالَ‏:‏ بَلْ مِنْ عَمْرٍو أَوْ قَالَ‏:‏ مُوَكِّلٌ‏:‏ أَمَرْتُكَ بِبَيْعِهِ نَسِيئَةً بِرَهْنٍ أَوْ ضَامِنٍ وَأَنْكَرَهُ وَكِيلٌ وَلَا بَيِّنَةَ ‏(‏ف‏)‏ الْقَوْلُ ‏(‏قَوْلُ وَكِيلٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ ‏(‏كَمُضَارَبٍ‏)‏ اخْتَلَفَ مَعَ رَبِّ الْمَالِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَكَخَيَّاطٍ إذَا قَالَ‏:‏ أَذَنْتَنِي فِي تَفْصِيلِهِ قَبَاءً، وَقَالَ رَبُّهُ‏:‏ بَلْ قَمِيصًا وَنَحْوَهُ وَإِنْ بَاعَ الْوَكِيلُ السِّلْعَةَ وَقَالَ لِلْمُوَكِّلِ‏:‏ أَمَرْتَنِي فَقَالَ‏:‏ بَلْ أَمَرْتُكَ بِرَهْنِهَا صُدِّقَ رَبُّهَا فَاتَتْ أَوْ لَمْ تَفُتْ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ هُنَا فِي جِنْسِ التَّصَرُّفِ‏.‏

وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الْوَكَالَةِ فَقَوْلُ مُنْكِرٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوَكَالَةِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ قَالَ‏:‏ لِآخَرَ ‏(‏وَكَّلْتَنِي أَنْ أَتَزَوَّجَ لَك فُلَانَةَ‏)‏ عَلَى كَذَا ‏(‏فَفَعَلْت‏)‏ أَيْ‏:‏ تَزَوَّجْتُهَا لَك ‏(‏وَصَدَّقَتْ‏)‏ فُلَانَةُ ‏(‏الْوَكِيلَ‏)‏ أَيْ‏:‏ مُدَّعِي الْوَكَالَةِ فِيمَا ذَكَرَهُ ‏(‏وَأَنْكَرَهُ مُوَكِّلٌ‏)‏ بِحَسَبِ دَعْوَاهُمَا الْوَكَالَةَ ‏(‏فَقَوْلُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُنْكِرِ لِمَا تَقَدَّمَ ‏(‏بِلَا يَمِينٍ‏)‏؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَدَّعِي عَقْدًا لِغَيْرِهِ ‏(‏ثُمَّ إنْ تَزَوَّجَهَا‏)‏ الْمُوَكِّلُ أُقِرَّ الْعَقْدُ‏.‏

‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا ‏(‏لَزِمَهُ تَطْلِيقُهَا‏)‏؛ لِاحْتِمَالِ كَذِبِهِ فِي إنْكَارِهِ، وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ، وَيَحْرُمُ نِكَاحُهَا غَيْرَهُ قَبْلَ طَلَاقِهَا؛ لِأَنَّهَا مُعْتَرِفَةٌ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ فَتُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهَا وَإِنْكَارُهُ لَيْسَ بِطَلَاقٍ ‏(‏وَلَا يَلْزَمُ وَكِيلًا شَيْءٌ‏)‏ لِلْمَرْأَةِ مِنْ مَهْرٍ وَلَا غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ لَكِنْ إنْ ضَمِنَ الْوَكِيلُ الْمَهْرَ رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَهُ عَنْ الْمُوَكِّلِ، وَمُعْتَرِفٌ بِأَنَّهُ فِي ذِمَّتِهِ، وَإِنْ مَاتَ مَنْ تَزَوَّجَ لَهُ مُدَّعِي الْوَكَالَةِ لَمْ تَرِثْهُ الْمَرْأَةُ إنْ لَمْ يَكُنْ صَدَّقَ عَلَى الْوَكَالَةِ أَوْ وَرَثَتُهُ إلَّا إنْ قَامَتْ بِهَا بَيِّنَةٌ‏.‏

‏(‏وَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِلَا جُعْلٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَّلَ أُنَيْسًا فِي إقَامَةِ الْحَدِّ وَعُرْوَةَ بْنَ الْجَعْدِ فِي الشِّرَاءِ بِلَا جُعْلٍ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَصِحُّ التَّوْكِيلُ ‏(‏بِ‏)‏ جُعْلٍ ‏(‏مَعْلُومٍ‏)‏ كَدِرْهَمٍ أَوْ دِينَارٍ أَوْ ثَوْبٍ صِفَتُهُ كَذَا ‏(‏أَيَّامًا مَعْلُومَةً‏)‏ بِأَنْ يُوَكِّلَهُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ كُلَّ يَوْمٍ بِدِرْهَمٍ ‏(‏أَوْ يُعْطِيَهُ مِنْ الْأَلْفِ‏)‏ مَثَلًا ‏(‏شَيْئًا مَعْلُومًا‏)‏ كَعَشَرَةٍ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبْعَثُ عُمَّالَهُ لِقَبْضِ الصَّدَقَاتِ وَيُعْطِيهِمْ عَلَيْهَا؛ وَلِأَنَّ التَّوْكِيلَ تَصَرُّفٌ لِلْغَيْرِ لَا يَلْزَمُهُ فِعْلُهُ فَجَازَ أَخْذُ الْجُعْلِ عَلَيْهِ كَرَدِّ الْآبِقِ و‏(‏لَا‏)‏ يَصِحُّ أَنْ يُجْعَلَ لَهُ ‏(‏مِنْ كُلِّ ثَوْبٍ كَذَا لَمْ يَصِفْهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الثَّوْبَ ‏(‏وَلَمْ يُقَدِّرْ ثَمَنَهُ‏)‏؛ لِجَهَالَةِ الْمُسَمَّى، وَكَذَا لَوْ سَمَّى لَهُ جُعْلًا مَجْهُولًا وَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ بِعُمُومِ الْإِذْنِ وَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ عَيَّنَ الثِّيَابَ الْمُعَيَّنَةَ فِي بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ مِنْ‏)‏ شَخْصٍ ‏(‏مُعَيَّنٍ‏)‏ بِأَنْ قَالَ‏:‏ كُلُّ ثَوْبٍ بِعْتُهُ مِنْ هَذِهِ الثِّيَابِ لِزَيْدٍ فَلَكَ عَلَى بَيْعِهِ كَذَا أَوْ كُلُّ ثَوْبٍ اشْتَرَيْته لِي مِنْ فُلَانٍ مِنْ هَذِهِ الثِّيَابِ فَلَكَ عَلَى شِرَائِهِ كَذَا وَعَيَّنَهُ ‏(‏صَحَّ‏)‏ مَا سَمَّاهُ لِزَوَالِ الْجَهَالَةِ وَكَذَا لَوْ لَمْ يُعَيِّنْ الْبَائِعَ عَلَى مَا يَظْهَرُ ‏(‏كَ‏)‏ قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏بِعْ ثَوْبِي‏)‏ هَذَا ‏(‏بِكَذَا فَمَا زَادَ‏)‏ عَنْهُ ‏(‏فَلَكَ‏)‏ فَيَصِحُّ نَصًّا‏.‏

قَالَ‏:‏ هَلْ هَذَا إلَّا كَالْمُضَارَبَةِ‏؟‏ وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ يُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَوَجْهُ شَبَهِهِ بِالْمُضَارَبَةِ أَنَّهُ عَيْنٌ تُنَمَّى بِالْعَمَلِ عَلَيْهَا، وَهُوَ الْبَيْعُ فَإِذَا بَاعَ الْوَكِيلُ الثَّوْبَ بِزَائِدٍ عَمَّا عَيَّنَهُ لَهُ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الثَّمَنِ فَهُوَ لَهُ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَرْبَحْ مَالُ الْمُضَارَبَةِ ‏(‏وَيَسْتَحِقُّهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْجُعْلَ الْوَكِيلُ ‏(‏قَبْلَ تَسْلِيمِ ثَمَنِهِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ وَفَّى بِالْعَمَلِ وَهُوَ الْبَيْعُ وَلَا يَلْزَمُهُ اسْتِخْلَاصُ الثَّمَنِ مِنْ الْمُشْتَرِي ‏(‏إلَّا إنْ اشْتَرَطَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ اشْتَرَطَ الْمُوَكِّلُ عَلَى الْوَكِيلِ فِي اسْتِحْقَاقِهِ الْجُعْلَ تَسَلُّمَ الثَّمَنِ بِأَنْ قَالَ لَهُ‏:‏ إنْ بِعْتَهُ وَسَلَّمْتَ إلَيَّ ثَمَنَهُ فَلَكَ كَذَا فَلَا يَسْتَحِقُّهُ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوَفِّ بِالْعَمَلِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ‏)‏ مِنْ دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ عَارِيَّةً أَوْ وَدِيعَةً أَوْ نَحْوِهَا ‏(‏فَادَّعَى إنْسَان أَنَّهُ وَكِيلُ رَبِّهِ فِي قَبْضِهِ أَوْ‏)‏ أَنَّهُ ‏(‏وَصِيُّهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ وَصِيُّ رَبِّهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَنَّهُ ‏(‏أُحِيلَ بِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الدَّيْنِ مِنْ رَبِّهِ عَلَيْهِ ‏(‏فَصَدَّقَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ صَدَّقَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ مُدَّعِي الْوَكَالَةِ أَوْ الْوَصِيَّةِ أَوْ الْحَوَالَةِ ‏(‏لَمْ يَلْزَمْهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ ‏(‏دَفْعٌ إلَيْهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْرَأُ بِهِ لِجَوَازِ إنْكَارِ رَبِّ الْحَقِّ أَوْ ظُهُورِهِ حَيًّا فِي الْوَصِيَّةِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ كَذَّبَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ كَذَّبَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ الْمُدَّعِيَ لِذَلِكَ ‏(‏لَمْ يُسْتَحْلَفْ‏)‏؛ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ إذْ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ ‏(‏وَإِنْ دَفَعَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ دَفَعَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ لِلْمُدَّعِي ذَلِكَ ‏(‏وَأَنْكَرَ صَاحِبُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْحَقِّ ‏(‏ذَلِكَ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْوَكَالَةَ أَوْ الْحَوَالَةَ ‏(‏حَلَفَ‏)‏ رَبُّ الْحَقِّ أَنَّهُ لَمْ يُوَكِّلْهُ وَلَا أَحَالَهُ لِاحْتِمَالِ صِدْقِ الْمُدَّعِي ‏(‏وَرَجَعَ‏)‏ رَبُّ الْحَقِّ ‏(‏عَلَى دَافِعٍ‏)‏ وَحْدَهُ ‏(‏إنْ كَانَ‏)‏ الْمَدْفُوعُ ‏(‏دَيْنًا‏)‏؛ لِعَدَمِ بَرَاءَتِهِ بِدَفْعِهِ لِغَيْرِ رَبِّهِ وَوَكِيلِهِ؛ وَلِأَنَّ الَّذِي أَخَذَهُ مُدَّعِي الْوَكَالَةِ أَوْ الْحَوَالَةِ عَيْنُ مَالِ الدَّافِعِ فِي زَعْمِ رَبِّ الْحَقِّ فَتَعَيَّنَ رُجُوعُهُ عَلَى الدَّافِعِ فَإِنْ نَكِلَ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ‏.‏

وَفِي مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ يَرْجِعُ بِظُهُورِهِ حَيًّا ‏(‏وَ‏)‏ رَجَعَ ‏(‏دَافِعٌ عَلَى مُدَّعٍ‏)‏ لِوَكَالَةٍ أَوْ حَوَالَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ بِمَا دَفَعَهُ ‏(‏مَعَ بَقَائِهِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ يَرْجِعُ دَافِعٌ عَلَى قَابِضٍ بِبَدَلِهِ مَعَ ‏(‏تَعَدِّيهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْقَابِضِ أَوْ تَفْرِيطِهِ ‏(‏فِي تَلَفٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ فَإِنْ تَلِفَ بِيَدِ مُدَّعِي الْوَكَالَةِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ لَمْ يَضْمَنْهُ وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ دَافِعٌ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِأَنَّهُ أَمِينٌ حَيْثُ صَدَّقَهُ فِي دَعْوَاهُ الْوَكَالَةَ أَوْ الْوَصِيَّةَ، ‏(‏وَ‏)‏ أَمَّا ‏(‏مَعَ‏)‏ دَعْوَى ‏(‏حَوَالَةٍ فَيَرْجِعُ‏)‏ دَافِعٌ عَلَى قَابِضٍ ‏(‏مُطْلَقًا‏)‏ أَيْ‏:‏ سَوَاءٌ بَقِيَ فِي يَدِهِ أَوْ تَلِفَ بِتَعَدٍّ أَوْ تَفْرِيطٍ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ فَقَدْ دَخَلَ عَلَى أَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ كَانَ‏)‏ الْمَدْفُوعُ لِمُدَّعٍ وَكَالَةً أَوْ وَصِيَّةٍ ‏(‏عَيْنًا كَوَدِيعَةٍ وَنَحْوِهَا‏)‏ كَعَارِيَّةٍ وَغَصْبٍ وَمَقْبُوضٍ عَلَى وَجْهِ سَوْمٍ ‏(‏وَوَجَدَهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْعَيْنَ رَبُّهَا بِيَدِ الْقَابِضِ أَوْ غَيْرِهِ ‏(‏أَخَذَهَا‏)‏؛ لِأَنَّهَا عَيْنُ حَقِّهِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ يَجِدْهَا ‏(‏ضَمِنَ أَيَّهُمَا شَاءَ‏)‏؛ لِأَنَّ الْقَابِضَ قَبَضَ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ وَالدَّافِعُ تَعَدَّى بِالدَّفْعِ إلَى مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهُ فَتَوَجَّهَتْ الْمُطَالَبَةُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا ‏(‏وَلَا يَرْجِعُ‏)‏ الدَّافِعُ لِلْعَيْنِ ‏(‏بِهَا‏)‏ إنْ ضَمِنَهُ رَبُّهَا ‏(‏عَلَى غَيْرِ مُتْلِفٍ أَوْ مُفَرِّطٍ‏)‏؛ لِاعْتِرَافِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِأَنَّ مَا أَخَذَهُ الْمَالِكُ ظُلْمٌ وَاعْتِرَافُ الدَّافِعِ بِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلُ مِنْ الْقَابِضِ مَا يُوجِبُ الضَّمَانَ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِظُلْمِ غَيْرِهِ، هَذَا كُلُّهُ إذَا صَدَّقَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ الْمُدَّعِيَ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ أَمَّا ‏(‏مَعَ عَدَمِ تَصْدِيقِهِ فَيَرْجِعُ‏)‏ دَافِعٌ عَلَى مَدْفُوعٍ إلَيْهِ بِمَا دَفَعَهُ لَهُ ‏(‏مُطْلَقًا‏)‏ أَيْ‏:‏ سَوَاءٌ كَانَ دَيْنًا أَوْ عَيْنًا بَقِيَ أَوْ تَلِفَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِوَكَالَتِهِ وَلَمْ تَثْبُتْ بِبَيِّنَةٍ وَمُجَرَّدُ التَّسَلُّمِ لَيْسَ تَصْدِيقًا ‏(‏وَإِنْ ادَّعَى‏)‏ شَخْصٌ ‏(‏مَوْتَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ رَبَّ الْحَقِّ ‏(‏وَأَنَّهُ وَارِثُهُ لَزِمَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ ‏(‏دَفْعُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْحَقِّ لِمُدَّعِي إرْثِهِ ‏(‏مَعَ تَصْدِيقِهِ‏)‏ مُدَّعِي الْإِرْثَ لَهُ لِإِقْرَارِهِ لَهُ بِالْحَقِّ وَأَنَّهُ يَبْرَأُ بِالدَّفْعِ لَهُ أَشْبَهَ الْمُوَرِّثَ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لَزِمَهُ ‏(‏حَلِفُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ ‏(‏مَعَ إنْكَارِهِ‏)‏ مَوْتَ رَبِّ الْحَقِّ أَوْ أَنَّ الطَّالِبَ وَارِثُهُ؛ لِأَنَّ مَنْ لَزِمَهُ الدَّفْعُ مَعَ الْإِقْرَارِ لَزِمَهُ الْيَمِينُ مَعَ الْإِنْكَارِ فَيَحْلِفُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ صِحَّةَ دَعْوَاهُ وَنَحْوَهُ‏.‏

‏(‏وَمَنْ قُبِلَ قَوْلُهُ فِي رَدٍّ‏)‏ كَوَدِيعٍ وَوَكِيلٍ وَوَصِيٍّ مُتَبَرِّعٍ ‏(‏وَطُلِبَ مِنْهُ‏)‏ الرَّدُّ ‏(‏لَزِمَهُ‏)‏ الرَّدُّ ‏(‏وَلَا يُؤَخِّرُهُ لِيَشْهَدَ‏)‏ عَلَى رَبِّ الْحَقِّ؛ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لِقَبُولِ دَعْوَاهُ الرَّدَّ ‏(‏وَكَذَا مُسْتَعِيرٌ وَنَحْوُهُ‏)‏ مِمَّنْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ كَمُرْتَهِنٍ وَوَكِيلٍ بِجُعْلٍ وَمُقْتَرِضٍ وَغَاصِبٍ ‏(‏لَا حُجَّةَ‏)‏ أَيْ‏:‏ لَا بَيِّنَةَ ‏(‏عَلَيْهِ‏)‏ فَلَزِمَهُ الدَّفْعُ بِطَلَبِ رَبِّ الْحَقِّ وَلَا يُؤَخَّرُ لِيَشْهَدَ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيهِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْجَوَابِ بِنَحْوِ‏:‏ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا وَيَحْلِفُ عَلَيْهِ كَذَلِكَ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ كَانَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ ‏(‏أَخَّرَ‏)‏ الرَّدَّ لِيَشْهَدَ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُنْكِرَهُ الْقَابِضُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ وَإِنْ قَالَ‏:‏ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ ‏(‏كَدَيْنٍ بِحُجَّةٍ‏)‏ أَيْ‏:‏ بِبَيِّنَةٍ فَلِلْمَدِينِ تَأْخِيرُهُ لِيَشْهَدَ لِمَا تَقَدَّمَ ‏(‏وَلَا يَلْزَمُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ رَبَّ الْحَقِّ ‏(‏دَفْعُهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْوَثِيقَةِ الْمَكْتُوبِ فِيهَا الدَّيْنُ وَنَحْوُهُ إلَى مَنْ كَانَ عَلَيْهِ الْحَقُّ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهَا لِغَيْرِهِ ‏(‏بَلْ‏)‏ يَلْزَمُ رَبَّ الْحَقِّ ‏(‏الْإِشْهَادُ بِأَخْذِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْحَقِّ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الْآخِذِ تُسْقِطُ الْبَيِّنَةَ الْأُولَى ‏(‏كَ‏)‏ مَا لَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ دَفْعُ ‏(‏حُجَّةِ مَا بَاعَهُ‏)‏ لِمُشْتَرٍ لِمَا تَقَدَّمَ قُلْت‏:‏ الْعُرْفُ الْآنَ يُسَلِّمُهَا لَهُ وَلَوْ قِيلَ بِالْعَمَلِ بِهِ لَمْ يَبْعُدْ كَمَا فِي مَوَاضِعَ‏.‏